التعليم الجامعي بالمغرب: شعبة الجغرافيا بين التكوين الأكاديمي وصعوبات الإدماج المهني
Heur du journal
التعليم الجامعي في المغرب يعد من المحطات الأساسية التي تحدد مستقبل الشباب وتوجههم نحو سوق الشغل، غير أن العديد من التخصصات تعاني من تحديات تحول دون تحقيق الغاية المنشودة من التكوين الأكاديمي. شعبة الجغرافيا واحدة من هذه الشعب التي تواجه صعوبات متعددة سواء خلال فترة الدراسة أو بعد التخرج، حيث يعاني الطلبة من قلة الفرص الميدانية وضعف التطبيق العملي في البرامج الدراسية، مما يجعلهم يفتقرون للخبرة اللازمة عند دخول سوق العمل. رغم الأهمية الكبيرة لهذا التخصص في مجالات عدة كالتخطيط العمراني، البيئة، الطاقات المتجددة، وإدارة الموارد الطبيعية، إلا أن الخريجين يصطدمون بواقع قاسٍ يتجلى في محدودية المناصب المتاحة لهم سواء في القطاع العام أو الخاص، حيث تقتصر الفرص غالبًا على التعليم وقليل من الوظائف البيئية، في حين تغيب عن مجالات أخرى ذات علاقة مباشرة بالتخصص مثل الأرصاد الجوية، السياحة، والجماعات الترابية.
من المشكلات التي تعمق أزمة خريجي الجغرافيا غياب المباريات المتخصصة في القطاع العام، ففي حين توفر بعض القطاعات فرصًا لخريجي مدارس المهندسين، فإن أصحاب شهادات الجغرافيا لا يجدون نفس الحظوظ رغم تكوينهم في مجالات ذات أهمية استراتيجية. على سبيل المثال، قطاع الأرصاد الجوية يعتمد بشكل رئيسي على المهندسين بدلًا من الجغرافيين، بينما القطاع السياحي لا يمنح فرصًا كافية لخريجي هذا التخصص رغم قدرتهم على المساهمة في التخطيط السياحي وإدارة المواقع التراثية والطبيعية. كما أن الجماعات الترابية تفضل تشغيل التقنيين والمهندسين بدلًا من توظيف الجغرافيين رغم دورهم الفاعل في التخطيط العمراني وتحليل توزيع الخدمات. أمام هذا الوضع، يجد خريجو الجغرافيا أنفسهم أمام خيارات محدودة، فإما اللجوء إلى التعليم الذي يعد من أبرز المنافذ المتاحة، لكنه بدوره يعاني من صعوبات كبرى مثل تسقيف السن، أو محاولة العمل في القطاع الخاص الذي لا يعترف بكفاءتهم بالشكل الكافي، ما يضطر البعض إلى البحث عن مجالات أخرى بعيدة عن تخصصهم الأكاديمي.
إلى جانب مشكلة التشغيل، يواجه الطلبة صعوبات أثناء فترة الدراسة، حيث يشتكون من ضعف الرقمنة في الجامعات، مما يعقد عملية الحصول على الشواهد والدبلومات، إضافة إلى قلة الموارد البشرية المؤهلة في بعض الكليات، خصوصًا في الجامعات الفتية أو المتواجدة في مناطق بعيدة. كما أن قلة الخرجات الميدانية تقلل من فرص التطبيق العملي، ما يجعل التكوين الأكاديمي يظل نظريًا بشكل كبير. هذا بالإضافة إلى صعوبة الولوج إلى فترات تدريبية داخل المؤسسات ذات العلاقة بالتخصص، حيث تشترط بعض الجهات علاقات شخصية أو معارف داخلية للحصول على فرصة تدريب، مما يخلق نوعًا من عدم تكافؤ الفرص بين الطلبة.
في ظل هذه التحديات، يطالب طلبة وخريجو شعبة الجغرافيا المسؤولين الحكوميين والجهات المعنية باتخاذ إجراءات جادة لإنصاف هذا التخصص وإعطائه المكانة التي يستحقها داخل سوق الشغل. من بين المطالب الرئيسية ضرورة فتح مباريات خاصة بتخصص الجغرافيا في قطاعات كالأرصاد الجوية، الجماعات الترابية، التخطيط السياحي، وإدارة الموارد الطبيعية، إضافة إلى تسهيل إجراءات اجتياز المباريات عبر إجرائها في المراكز الجهوية بدل الاقتصار على المدن الكبرى مثل الرباط والدار البيضاء. كما يطالبون برفع عدد المناصب المخصصة لهذا التخصص داخل القطاع العام، إلى جانب إدخال إصلاحات على مستوى التعليم الجامعي تشمل تعزيز التكوين التطبيقي وتوفير فرص تدريبية داخل المؤسسات الكبرى، فضلاً عن رقمنة الخدمات الجامعية لتسهيل الحصول على الشهادات والدبلومات.
إيجاد حلول لهذه الإشكاليات سيمكن من استثمار الكفاءات العلمية المتخرجة من شعبة الجغرافيا في مشاريع تنموية تخدم البلاد وتحقق الإضافة المرجوة في مجالات متعددة، حيث أن الجغرافيين قادرون على المساهمة في رسم السياسات العمرانية، تحليل المخاطر البيئية، وتطوير استراتيجيات التنمية المستدامة. إن استمرار العراقيل الحالية دون تدخل حقيقي من الجهات المعنية قد يؤدي إلى هدر إمكانات علمية مؤهلة، وزيادة نسبة البطالة في صفوف الشباب، وهو ما يتطلب تفاعلًا جديًا من المسؤولين لإعادة الاعتبار لهذا التخصص وضمان إدماج خريجيه في سوق الشغل بما يحقق الفائدة للمجتمع والاقتصاد الوطني.