في خطوة تاريخية… تشاد تودع اتفاق الدفاع مع فرنسا وقواتها مجبرة على مغادرة البلاد
Heure du journal - خالد وجنا
في خطوة مفاجئة، أعلنت حكومة جمهورية تشاد عن إنهاء اتفاقية التعاون الدفاعي التي كانت تربطها بفرنسا، وذلك في بيان رسمي صدر عن وزير الخارجية التشادي عبد الرحمن كلام الله يوم 28 نوفمبر 2024. القرار الذي يأتي بعد زيارة قصيرة لوزير الخارجية الفرنسي جان-نويل بارو إلى العاصمة نجامينا، يعكس تحولًا كبيرًا في العلاقات بين البلدين، ويعزز توجه تشاد نحو تعزيز سيادتها الوطنية وإعادة تحديد أولوياتها الأمنية والدفاعية.
وتعتبر هذه الخطوة تاريخية بالنسبة لتشاد، إذ تأتي بعد أكثر من 66 عامًا من استقلالها، وتؤكد رغبة الحكومة في تعزيز استقلالها العسكري وتطوير قدراتها الذاتية في مواجهة التحديات الأمنية المتزايدة في منطقة الساحل والصحراء. فقد كانت الاتفاقية الموقعة في عام 2019 تهدف إلى تعزيز التعاون الأمني والدفاعي بين البلدين، حيث كان نحو ألف جندي فرنسي متمركزين في تشاد. وفي المقابل، كانت فرنسا تعتمد على تشاد كحليف استراتيجي في حربها ضد الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل.
قرار إنهاء الاتفاقية يشير إلى رغبة الحكومة التشادية، بقيادة الجنرال محمد إدريس ديبي الذي تولى السلطة في عام 2021، في إعادة ترتيب علاقاتها مع القوى الكبرى. وتأتي هذه الخطوة في وقت حساس، حيث تسعى تشاد إلى تعزيز سيادتها الكاملة على أراضيها، وتحديد علاقاتها مع الدول الأجنبية بناءً على مصالحها وأولوياتها الوطنية، بعيدًا عن النفوذ الخارجي.
ووفقًا للبيان الرسمي، فإن الحكومة التشادية أكدت أنها ستلتزم بكافة البنود المنصوص عليها في الاتفاقية، بما في ذلك فترة الإشعار قبل إنهائها، وستعمل على التنسيق مع السلطات الفرنسية لضمان الانتقال السلس خلال هذه الفترة. كما شددت الحكومة التشادية على أن هذا القرار لا يعني نهاية التعاون مع فرنسا في مجالات أخرى، بل على العكس، فإنها تأمل في استمرار العلاقات البنّاءة مع باريس في مجالات أخرى ذات اهتمام مشترك، مثل التنمية الاقتصادية والتعليم، بالإضافة إلى التعاون في المجالات الإنسانية.
وفي الوقت الذي أثار فيه هذا القرار العديد من التساؤلات حول مستقبل العلاقات بين البلدين، فإن الحكومة التشادية حاولت التأكيد على أنها تسعى إلى تعزيز الروابط التاريخية مع فرنسا، بما في ذلك العلاقات الاقتصادية والثقافية، وأنهاء الاتفاق الدفاعي لا يعني قطع هذه الروابط بل إعادة تحديدها بما يتناسب مع تطلعات تشاد في الفترة القادمة.
وقد أثار قرار تشاد موجة من التحليلات والآراء في الأوساط السياسية والدبلوماسية، حيث يرى البعض أن هذا التحول يعكس تزايد القلق في منطقة الساحل من التدخلات الأجنبية، خاصة من قبل القوى الغربية. فيما يعتبر آخرون أن تشاد، التي تواجه تحديات أمنية داخلية كبيرة، تحتاج إلى التوجه نحو بناء قدراتها الدفاعية بشكل مستقل، في وقت تتراجع فيه الثقة في الشراكات التقليدية مع القوى الكبرى.
على الرغم من أن فرنسا كانت تعد حليفًا استراتيجيًا لتشاد في محاربة الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل، إلا أن القرار التشادي يأتي في وقت تشهد فيه علاقات باريس مع بعض الدول الأفريقية توترات متزايدة. ففي السنوات الأخيرة، تعرضت فرنسا لانتقادات من قبل عدد من الدول في منطقة الساحل بسبب ما يعتبره البعض تدخلات غير مرغوب فيها في الشؤون الداخلية لتلك الدول، مما دفع العديد من الحكومات إلى إعادة تقييم علاقتها مع باريس.
وفي النهاية، يبقى التساؤل حول كيفية تأثير هذا القرار على الوضع الأمني في تشاد والمنطقة بشكل عام. تشاد، التي تواجه تهديدات من جماعات إرهابية مثل “بوكو حرام” و”داعش”، قد تجد نفسها في حاجة إلى تعزيز قدراتها العسكرية بشكل أسرع لمواجهة هذه التحديات في غياب الدعم الفرنسي المباشر. إلا أن قرار إنهاء الاتفاقية يعكس أيضًا إرادة قوية من الحكومة التشادية لتحقيق استقلالية أكبر في قراراتها الأمنية والدفاعية.
يبقى أن نرى كيف ستتطور العلاقات بين تشاد وفرنسا في المستقبل، وهل ستتمكن باريس من الحفاظ على علاقاتها الاستراتيجية مع تشاد في مجالات أخرى، أو إذا كانت هذه الخطوة بداية لتحول جذري في السياسات الأفريقية تجاه القوى الغربية.