شهدت مدينة وجدة، مساء الجمعة 7 مارس الجاري، أحداث شغب رياضي خطيرة أدت إلى توقيف خمسة قاصرين، يشتبه في تورطهم في التجمهر غير القانوني وارتكاب أعمال عنف ناتجة عن التعصب الرياضي. الواقعة التي أثارت ردود فعل واسعة في الأوساط المحلية تعيد إلى الواجهة إشكالية العنف المرتبط بكرة القدم، خاصة في صفوف القاصرين، وتأثيراته على الأمن العام والسلم الاجتماعي.
حسب المعلومات الأولية للبحث، فإن الخلاف نشب بين مشجعي ناديين محليين لكرة القدم، وأغلبهم من القاصرين، قبل أن يتحول إلى مواجهات عنيفة استُخدمت فيها الحجارة، مما أدى إلى إصابات وأضرار مادية. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل تم اللجوء إلى وسائل أكثر خطورة، حيث استُعملت قنينة حارقة تحتوي على مواد سريعة الاشتعال، تسببت في إصابة أحد الأشخاص. مقاطع الفيديو التي وثقت هذه الأحداث انتشرت بسرعة على مواقع التواصل الاجتماعي، وأثارت موجة استياء واسعة، خاصة مع تصاعد أعمال العنف الرياضي في الآونة الأخيرة.
في استجابة فورية، تدخلت عناصر الشرطة بولاية أمن وجدة وتمكنت من توقيف أربعة قاصرين في حالة تلبس، حيث ضبطوا وهم يرشقون الحجارة خلال المواجهات. وبعد مواصلة الأبحاث والتحريات، تم توقيف قاصر خامس يشتبه في كونه المسؤول عن تنفيذ عملية الإيذاء العمدي عن طريق إضرام النار. التحقيقات لا تزال جارية تحت إشراف النيابة العامة المختصة، للكشف عن باقي المتورطين وتحديد كافة ملابسات هذه القضية التي تطرح العديد من التساؤلات حول دوافع مثل هذه السلوكيات العنيفة في أوساط الشباب والمراهقين.
تعد ظاهرة الشغب الرياضي من القضايا التي تشغل الرأي العام في المغرب، حيث شهدت السنوات الأخيرة العديد من الأحداث المماثلة التي أدت إلى وقوع خسائر بشرية ومادية جسيمة. فبالرغم من الجهود الأمنية المبذولة لمكافحة هذه الظاهرة، إلا أن تكرارها يشير إلى الحاجة إلى معالجة أعمق تتجاوز الحلول الأمنية إلى حلول تربوية واجتماعية. فالتعصب الكروي الذي يدفع الشباب إلى العنف ليس مجرد مسألة أمنية، بل يرتبط بعوامل نفسية واجتماعية تتطلب تدخلاً شاملاً من جميع الفاعلين، بمن فيهم الأسر والمدارس والجمعيات الرياضية.
الخبراء في علم الاجتماع الرياضي يؤكدون أن انتشار العنف بين القاصرين في الملاعب وحولها يعكس أزمة قيمية وتربوية، حيث بات بعض الشباب يربطون الانتماء الرياضي بالسلوك العدواني، ويعتبرون العنف وسيلة للتعبير عن الولاء لأنديتهم. هذا السلوك يعززه أحيانًا غياب التأطير وضعف الثقافة الرياضية التي تقوم على قيم الروح الرياضية والتسامح واحترام المنافس. ومن جهة أخرى، فإن مواقع التواصل الاجتماعي تلعب دورًا مزدوجًا في تأجيج هذا النوع من العنف، حيث يتم الترويج لمشاهد الشغب وتحفيز بعض المشجعين على تقليد هذه التصرفات، في ظل غياب رقابة صارمة.
المجتمع المدني والجهات المسؤولة مطالبون اليوم بتكثيف الجهود من أجل الحد من انتشار هذه الظاهرة. فإلى جانب الإجراءات الأمنية، هناك حاجة إلى حملات توعوية موجهة للشباب، تهدف إلى نشر ثقافة التسامح الرياضي ونبذ العنف. كما أن للأندية الرياضية دورًا مهمًا في احتواء المشجعين وتأطيرهم من خلال توفير فضاءات آمنة للتعبير عن انتمائهم الكروي بعيدًا عن أي سلوك تخريبي.
في ظل استمرار التحقيقات حول هذه القضية، يظل السؤال المطروح هو إلى متى ستستمر هذه الظواهر في تهديد أجواء الرياضة في المغرب؟ فالملاعب ينبغي أن تكون فضاءً للفرجة والمتعة، وليس ساحة للمواجهات والعنف. والتصدي لهذا التحدي يتطلب تضافر الجهود بين مختلف الأطراف المعنية، من أجل بناء جيل جديد من المشجعين الذين يؤمنون بأن كرة القدم، قبل كل شيء، لعبة تجمع ولا تفرق، وترفع من قيم الاحترام والتآخي بدل أن تكون مبررًا للعنف والتخريب.