وفاة الشيخ حماد القباج بعد معاناة مع المرض

Heure du journal

توفي الشيخ حماد القباج، عصر يوم الأحد 9 مارس 2025، بعد معاناة مع جلطة دماغية أدت إلى دخوله في غيبوبة إثر خضوعه لعملية جراحية، حيث لفظ أنفاسه الأخيرة عن عمر يناهز 48 عامًا. نُشر خبر وفاته على صفحته الرسمية بموقع فايسبوك، حيث ورد في تدوينة النعي أن الفقيد كان من أهل العلم والدعوة، ساعيًا إلى نشر الخير والدفاع عن الحق، وأنه فارق الحياة بعد مسيرة حافلة بالعطاء في المجال الدعوي والعلمي.

 

وقد أثارت وفاته موجة واسعة من الحزن والأسى في الأوساط العلمية والدعوية، حيث نعاه عدد كبير من طلابه ومعارفه على مواقع التواصل الاجتماعي، معبرين عن تأثرهم الكبير بفقدان أحد رموز الفكر الإسلامي المعاصر في المغرب. أكد كثيرون منهم أن الشيخ القباج كان نموذجًا للعالم المجتهد، الذي لم تثنه إعاقته عن طلب العلم وتعليمه، بل ظل ثابتًا على مواقفه، مؤمنًا برسالته، وفاعلًا في خدمة مجتمعه.

 

وُلد الشيخ حماد القباج بمدينة مراكش يوم 8 يناير 1977، ونشأ في بيئة علمية ودينية، حيث تلقى تعليمه الأساسي في مدارس مراكش. إلا أن حادثًا أليمًا تعرض له سنة 1993 أدى إلى إصابته بشلل رباعي، ما اضطره إلى التوقف عن الدراسة لسنوات. لكنه لم يستسلم لهذه الظروف الصحية القاسية، بل استأنف دراسته سنة 1996، متخذًا نهجًا ذاتيًا في التحصيل العلمي، حيث قرر التعمق في دراسة السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي والعلوم الشرعية والإنسانية.

 

تمكن الشيخ القباج من حفظ القرآن الكريم وإتقان تجويده على يد المقرئ توفيق العبقري، وحصل لاحقًا على عدة إجازات علمية من كبار العلماء في العالم الإسلامي، مثل العلامة المحدث محمد الأمين بوخبزة، والعلامة المختار بن العربي مومن الجزائري، والعلامة مساعد بن بشير الحسيني. وقد شملت هذه الإجازات مختلف العلوم الشرعية، من علوم القرآن والسنة، إلى الفقه الإسلامي وخاصة الفقه المالكي، إلى جانب إلمامه العميق بالتاريخ الإسلامي.

 

لم يقتصر نشاط الشيخ القباج على المجال العلمي والدعوي فقط، بل كان له دور بارز في العمل المدني والجمعوي، حيث عُيّن عضوًا في لجنة الحوار الوطني حول المجتمع المدني سنة 2013 من قِبل الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني آنذاك، الحبيب الشوباني. كما كان عضوًا مؤسسًا في المرصد المغربي للمجتمع المدني، وشارك في تأسيس مؤسسة ابن تاشفين للدراسات والأبحاث والإبداع، التي شغل منصب مديرها التنفيذي منذ تأسيسها في يناير 2015 إلى غاية استقالته منها في يناير 2018.

 

على مدى سنوات، شارك الشيخ القباج في العديد من المؤتمرات والندوات الوطنية والدولية، وكان له حضور بارز في مختلف القضايا الفكرية والدينية والاجتماعية، حيث عُرف بمواقفه الواضحة تجاه عدد من الإشكالات التي تشغل الرأي العام المغربي والإسلامي. كما ألّف العديد من الكتب والمقالات العلمية، التي تعكس عمق معرفته واجتهاده في مجال العلوم الشرعية والفكر الإسلامي.

 

كان الشيخ القباج شخصية مثيرة للجدل في بعض الأوساط، خاصة بسبب آرائه حول قضايا دينية واجتماعية وسياسية، حيث واجه انتقادات من بعض الجهات، لكنه ظل ثابتًا على مواقفه، مدافعًا عن قناعاته برصانة علمية وحجج قوية. رغم ذلك، حظي باحترام واسع في الأوساط الدينية والفكرية، نظرًا لسعة علمه وإخلاصه في خدمة الدعوة الإسلامية.

 

برحيله، فقد المغرب أحد رموزه العلمية والدعوية، حيث ترك أثرًا عميقًا في قلوب طلابه ومتابعيه. وستقام صلاة الجنازة عليه بعد صلاة الظهر بمسجد فاطمة الزهراء بجنان أوراد في مدينة مراكش، مسقط رأسه، حيث يُرتقب حضور عدد كبير من محبيه ومريديه لإلقاء نظرة الوداع الأخيرة عليه.

 

وفاة الشيخ حماد القباج تمثل خسارة كبيرة للساحة العلمية والفكرية في المغرب، لكنها في الوقت ذاته تترك إرثًا غنيًا من العلم والفكر، سيظل حاضرًا في كتاباته ودروسه ومواقفه، وسيبقى اسمه محفورًا في ذاكرة كل من عرفه وتأثر بعلمه ودعوته.