تقرير البنك الدولي: الاستثمار السريع والريع يعيقان تطور الاقتصاد المغربي
Heure du journal - خالد وجنا
كشف تقرير صادر عن البنك الدولي مؤخراً أن الاقتصاد المغربي يواجه تحديات هيكلية مرتبطة بضعف الابتكار وانخفاض مساهمة الأثرياء المحليين في تطوير القطاعات الإنتاجية، وهو ما يمثل عائقاً أمام تحقيق تنمية مستدامة. التقرير، الذي يحمل عنوان “المغرب في أفق 2040: الاستثمار في الرأسمال اللامادي لتسريع الإقلاع الاقتصادي”، أثار جدلاً واسعاً، إذ أشار إلى أن العديد من المستثمرين المغاربة يفضلون البحث عن أرباح سريعة بدلاً من الاستثمار في مجالات التصنيع والتصدير ذات القيمة المضافة العالية.
يعكس هذا الاتجاه عقلية اقتصادية تسعى لتحقيق مكاسب آنية من قطاعات مثل العقارات والخدمات، متجنبة الاستثمار في التصنيع بسبب هوامش الربح المنخفضة والتحديات المرتبطة به. فعلى الرغم من التحفيزات الحكومية الموجهة لتشجيع القطاع الصناعي، لا تزال مشاركة رأس المال المحلي محدودة، حتى في القطاعات التي حققت نجاحات نسبية مثل صناعة السيارات والطيران. يظهر هذا بوضوح في اعتماد مصنع “رونو” بطنجة على موردين أجانب بنسبة تفوق 90%، مما يقلل من استفادة الاقتصاد المحلي ويقتصرها على خدمات ثانوية مثل النقل والصيانة.
أرجع التقرير هذا الواقع إلى عدة أسباب رئيسية، من بينها غياب المنافسة الذي يعززه وجود حواجز إدارية وضريبية تمنح بعض الفاعلين الاقتصاديين حماية من المنافسة، مما يؤدي إلى إضعاف الدينامية الاقتصادية وإبطاء تطور الشركات المغربية. في هذا السياق، أشار التقرير إلى أن عدد الشركات المغربية المصدرة لا يتجاوز 5300 شركة فقط، مقارنة بـ 58 ألف شركة في تركيا. هذا الفرق الكبير يعكس محدودية التدويل وضعف استغلال الفرص التجارية الخارجية من قبل القطاع الخاص المغربي.
لم تقتصر الانتقادات على سياسات الاستثمار، بل شملت أيضاً النظام التعليمي والتشغيل. يعاني المغرب من ارتفاع نسبة البطالة بين الشباب الخريجين، بما في ذلك أصحاب التكوين الجيد، بسبب بطء تحول النسيج الاقتصادي وعجزه عن مواكبة الزيادة في أعداد الخريجين. وعلى الرغم من جهود تحسين جودة التعليم والتكوين، لا تزال العديد من الكفاءات تفضل العمل في القطاعات الإدارية والمالية ذات الأجور المرتفعة، متجاهلة القطاعات الإنتاجية مثل التعليم، البحث العلمي، والهندسة. هذا التوجه أدى إلى ضعف استغلال المواهب داخل القطاعات الأكثر حاجة لها، ما أثر سلباً على دينامية المقاولات وتطورها.
أشار التقرير أيضاً إلى تحديات أعمق مرتبطة بضعف القاعدة الصناعية وانخفاض القوة الشرائية للأسر المغربية، مما يعيق تطور القطاعات ذات القيمة المضافة العالية مثل الخدمات الصحية والتعليمية. وعلى صعيد القوى العاملة، تبقى نسبة الأطر الوسطى والعليا في المغرب منخفضة بشكل مقلق، إذ لا تتجاوز 7.6% مقارنة بـ 20% في دول ناشئة مثل تركيا والبرازيل. هذا الفرق يعكس فجوة في خلق فرص عمل تتماشى مع مهارات الخريجين وتساهم في رفع الإنتاجية.
إصلاح هذا الوضع يتطلب تغييرات جذرية في السياسات الاقتصادية، مع التركيز على تعزيز المنافسة وتحفيز الاستثمار في الابتكار والتصنيع. من الضروري أيضاً ضمان إشراك الكفاءات في القطاعات الحيوية وتوجيه رأس المال نحو مشاريع ذات قيمة مضافة طويلة الأمد. بدون هذه الإصلاحات، ستظل الجهود الرامية إلى تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة محدودة، مما يعمق الفجوة بين الإمكانيات الاقتصادية للمغرب وتطلعاته التنموية.