
وزارة التربية الوطنية تشرع في إصلاح المناهج الدراسية للمرحلة الابتدائية والإعدادية
شرعت وزارة التربية الوطنية في تنفيذ مراجعات شاملة للمناهج الدراسية الخاصة بالسلكين الابتدائي والإعدادي، وذلك في إطار تنزيل خارطة الطريق 2022-2026 التي تهدف إلى تعزيز مدخل القيم والتربية على المواطنة كأحد الركائز الأساسية للمناهج الجديدة. هذه الخطوة تأتي في سياق السعي إلى تحسين جودة التعلمات وضمان انسجامها مع الثوابت الوطنية والمرجعيات التربوية المغربية، وفق مقاربة شمولية تستند إلى أحدث الدراسات العلمية في المجال التربوي، مع إشراك مختلف الفاعلين في قطاع التعليم.
أكد وزير التربية الوطنية، محمد برادة، في جوابه على سؤال برلماني، أن هذه المراجعة تتم عبر مسار علمي دقيق يبدأ بدراسات تشخيصية لتقييم البرامج الحالية، بهدف تحديد نقاط القوة والضعف وسبل التطوير. وأوضح أن هذا المسار يعتمد على آليات تحليلية دقيقة، تشمل استطلاعات رأي موسعة واستشارات تربوية مع المعلمين والمفتشين وخبراء المناهج، بالإضافة إلى الاستفادة من التجارب الدولية الناجحة. كما أشار إلى أن الوزارة تعمل على إشراك كافة الفاعلين التربويين في استشارات موسعة، لضمان بلورة توجهات استراتيجية تعكس الاحتياجات الحقيقية للمتعلمين، وتستجيب لمتطلبات المجتمع المغربي المتجدد، مع مراعاة التوازن بين تعزيز الهوية الوطنية والانفتاح على القيم الكونية.
تمر المناهج الجديدة بمراحل تجريبية محدودة ثم موسعة، تتخللها دراسات تقييمية دقيقة تركز على الجوانب الحقوقية والقيمية، مع مراعاة ثوابت البلاد وهويتها الثقافية. ويتم عرض جميع الإنتاجات التربوية على اللجنة الدائمة للتجديد والملاءمة المستمرة للمناهج، التي تتولى مسؤولية ضمان انسجام البرامج مع الإطار المرجعي الوطني. كما تخضع المقررات الدراسية المستوردة لرقابة صارمة من لجان تربوية جهوية متخصصة، لضمان توافقها مع القيم المغربية الأصيلة قبل السماح بتداولها في المؤسسات التعليمية. وأكد الوزير أن الوزارة تراقب عن كثب الكتب المدرسية المستوردة، خاصة تلك التي يتم تدريسها في المدارس الخاصة، حيث تخضع لمراجعة دقيقة قبل الترخيص لها، لضمان عدم تعارضها مع الثوابت الوطنية أو تسريب مفاهيم قد لا تتناسب مع خصوصيات المجتمع المغربي.
تعزز خارطة الطريق مكانة القيم الوطنية والثقافية المغربية في المناهج الدراسية، بهدف تمكين الناشئة من التعرف على الموروث الحضاري الوطني المتعدد الروافد وتثمينه، مع الحفاظ على الانفتاح على الثقافات الأخرى. وأكد الوزير أن القيم المضمنة في الكتاب الأبيض والميثاق الوطني للتربية والتكوين، بما فيها قيم العقيدة الإسلامية، والهوية الحضارية، والمواطنة، وحقوق الإنسان، تعتبر مرجعية أساسية يتم تصريفها في البرامج الدراسية والكتب المدرسية، مما يساهم في ترسيخ الهوية المغربية الأصيلة لدى الأجيال القادمة. وأبرز أن المنهاج الجديد يسعى إلى تحقيق توازن بين تنمية الكفاءات المعرفية للمتعلمين وبين تعزيز الحس النقدي لديهم، وتشجيعهم على التفكير المستقل والقدرة على التحليل والاستنتاج، وهي مهارات أساسية لمواجهة تحديات المستقبل.
يرتكز الإصلاح على تعزيز تدريس اللغات، خاصة العربية والأمازيغية، باعتبارهما اللغتين الرسميتين للبلاد، إلى جانب تقوية حضور اللغات الأجنبية لضمان انفتاح المتعلمين على العالم. كما سيتم تحسين تدريس المواد العلمية والتكنولوجية، مع إدخال أساليب بيداغوجية حديثة تعتمد على التعلم النشط والتفاعلي، وتقليل الاعتماد على الحفظ والاستظهار. وأشار الوزير إلى أن الوزارة تعمل على إدراج وحدات خاصة بالمهارات الحياتية في المناهج الجديدة، لتزويد التلاميذ بالقدرات الضرورية لمواجهة تحديات الحياة اليومية، وتعزيز استقلاليتهم وقدرتهم على اتخاذ القرار.
إلى جانب ذلك، أكد المسؤول الحكومي أن الإصلاح يشمل تطوير تكوين الأساتذة، من خلال تعزيز قدراتهم البيداغوجية وتمكينهم من تقنيات التدريس الحديثة، إضافة إلى توفير موارد تعليمية رقمية تواكب التطورات التكنولوجية، مما سيمكن من تحسين جودة التدريس وتقليص الفوارق بين المؤسسات التعليمية، خاصة في المناطق القروية والنائية. كما أشار إلى أن الوزارة ستعمل على تحسين بيئة التعلم داخل المؤسسات التعليمية، من خلال تطوير البنيات التحتية وتوفير الوسائل الديداكتيكية الضرورية لدعم العملية التعليمية.
تمثل هذه الإصلاحات خطوة مهمة نحو تحسين جودة التعليم في المغرب، حيث تسعى الوزارة إلى جعل المدرسة فضاءً يعزز قيم الانضباط والعمل الجماعي والمواطنة الفاعلة، من خلال مناهج متجددة تستجيب لمتطلبات العصر، مع الحفاظ على مقومات الهوية الوطنية. ويرى العديد من المتابعين أن نجاح هذه المراجعة رهين بمدى تفعيلها على أرض الواقع، وضمان تتبع مستمر لمدى نجاعتها، إضافة إلى توفير الإمكانيات اللازمة لإنجاحها، سواء على مستوى التكوين المستمر للمدرسين أو على مستوى البنية التحتية للمدارس، خاصة في المناطق التي تعاني من نقص في الموارد التعليمية.
في ظل هذه التغيرات، يترقب الفاعلون في قطاع التربية والتكوين تنزيل هذه الإصلاحات على أرض الواقع، ومعرفة مدى تأثيرها على جودة التعلمات ومخرجات المنظومة التعليمية. وبينما يرى البعض أن هذه الخطوة قد تشكل قفزة نوعية نحو تطوير المناهج الدراسية، يرى آخرون أنها تظل رهينة بتحديات التنفيذ ومدى قدرة الوزارة على تجاوز العقبات التي واجهت إصلاحات سابقة.