مسرح البدوي يخلد الذكرى الثالثة لرحيل رائد المسرح المغربي عبد القادر البدوي

Heure du journal

يستعد مسرح البدوي، يوم الثلاثاء 28 يناير الجاري، لإحياء الذكرى الثالثة لرحيل مؤسسه وأحد أعمدة المسرح المغربي، الأستاذ عبد القادر البدوي، في احتفالية تروم تسليط الضوء على إرثه الفني ودوره الرائد في إرساء قواعد المسرح المغربي الحديث. ويشكل هذا الحدث مناسبة للاعتراف بما قدمه هذا الرمز الاستثنائي للحركة الثقافية والمسرحية المغربية، التي كانت ولا تزال واحدة من ركائز الهوية الوطنية.

اختار منظمو هذه الذكرى أن يكون الاحتفال في مقر مسرح البدوي التاريخي، الواقع بشارع الناظور بالقرب من حديقة لارميطاج بمدينة الدار البيضاء، وهو المكان الذي شهد أوج إشعاع المسرح وأهم مراحله. وسيتم بهذه المناسبة تنظيم معرض توثيقي يحمل عنوان “مسرح البدوي ذاكرة مسرح ذاكرة وطن”، يتناول أبرز المحطات الفنية والنضالية في تاريخ المسرح المغربي من نافذة مسرح البدوي. هذا المعرض ليس فقط تكريماً لمؤسس المسرح، بل أيضاً إحياء لذاكرة جماعية ارتبطت بهذا الصرح الثقافي الذي لعب دوراً محورياً في تطوير المشهد المسرحي الوطني منذ تأسيسه.

مسرح البدوي، الذي يحتفل هذه السنة بالذكرى الثالثة والسبعين لتأسيسه، يعد واحداً من أعرق وأقدم المسارح المغربية. أسسه عبد القادر البدوي في مرحلة كانت تشهد فيها البلاد نضالاً ثقافياً وسياسياً من أجل التحرر، مما جعل المسرح آنذاك ليس مجرد فضاء فني، بل أيضاً وسيلة للتعبير عن الهوية الوطنية وتعزيز الوعي الجماهيري. ولطالما كان مسرح البدوي منارة للإبداع ومركزاً لتكوين وتأطير أجيال متعاقبة من الفنانين، الذين ساهموا بدورهم في إثراء المشهد الثقافي المغربي. إلى جانب ذلك، ظل المسرح مصدراً للباحثين الأكاديميين والطلبة المهتمين بالشأن الثقافي والفني، لما يقدمه من مادة علمية غنية ترتبط بتاريخ المغرب الفني والنضالي.

 

وتسعى هذه الاحتفالية، التي تأتي بعد ثلاث سنوات من رحيل عميد المسرح المغربي، إلى إبراز الأهمية الثقافية والتراثية لمسرح البدوي. فإرث هذا المسرح بات يشكل جزءاً من الذاكرة الوطنية والتراث اللامادي المغربي، مما يفرض مسؤولية جماعية للحفاظ عليه وصيانته. وفي الوقت نفسه، تعد المناسبة فرصة لتذكير الأجيال الجديدة بالدور الحيوي الذي لعبه المسرح في مرحلة ما بعد الاستقلال، حيث كان منصة لتشكيل وعي الجماهير وتعزيز القيم الوطنية والاجتماعية.

 

يتضمن برنامج الذكرى مجموعة من الفعاليات الثقافية والفنية، من بينها وصلة من الأمداح النبوية التي تضفي أجواء روحانية على الاحتفال، إلى جانب شهادات مؤثرة من شخصيات عاصرت عبد القادر البدوي وعملت معه في مسيرته الطويلة. كما ستُعقد ندوة فكرية تحت عنوان “مسرح البدوي تراث ثقافي وطني”، يشارك فيها نخبة من الأساتذة والباحثين المهتمين بالمسرح والثقافة، لمناقشة الدور المحوري لهذا المسرح في المشهد الثقافي المغربي وسبل الحفاظ عليه كموروث ثقافي لا مادي.

 

الاحتفالية، التي تنطلق ابتداء من الساعة السادسة مساءً، ليست مجرد تكريم لرمز مسرحي، بل هي أيضاً دعوة للتفكير في مستقبل مسرح البدوي والمسرح المغربي بشكل عام. إذ تطرح تساؤلات حول مصير هذا الصرح الذي شكل لعقود طويلة واجهة للإبداع المسرحي الوطني، وحول كيفية الحفاظ على ذاكرته وتأهيله ليظل جزءاً حياً من المشهد الثقافي المغربي.

 

عبد القادر البدوي، الذي ارتبط اسمه بمرحلة ذهبية من تاريخ المسرح المغربي، لم يكن فقط فناناً بل كان مبدعاً ملتزماً، جعل من المسرح وسيلة للدفاع عن قضايا الوطن والمجتمع. وبهذه المناسبة، يتجدد الأمل في أن تظل روح هذا الرمز ملهمة للأجيال القادمة، وأن يظل مسرح البدوي شاهداً على مرحلة مهمة من تاريخ المغرب الثقافي، وعنواناً للإبداع الذي يجمع بين الأصالة والحداثة.