
عادل بنبازة يُعيد إحياء تراث كناوة في جامعة تورينو: من زوايا المغرب إلى الأفق الأكاديمي الأوروبي
في مدينة تورينو الإيطالية، وتحديدًا داخل رحاب جامعة ديجلي ستودي، برز اسم عادل بنبازة، المهاجر المغربي الذي اختار أن يجعل من حنينه إلى أرض الوطن مشروعًا علميًا يدمج بين الذاكرة، الهوية، والفن. لم يكن وصوله إلى شهادة الإجازة في قسم الدراسات الإنسانية – شعبة لغة وثقافة آسيا وإفريقيا مجرد إنجاز أكاديمي عابر، بل محطة لتتويج مسار بحثي استثنائي عن موسيقى كناوة، تلك التي تعتبر من أعرق التعبيرات الروحية والثقافية في المغرب وشمال إفريقيا.
بحثه المعنون بـ”موسيقى كناوة التقليدية في المغرب، صوتٌ من العصر العبودي، رحلة عبر التاريخ والثقافة والشفاء” لم يكتف بالتوصيف الموسيقي، بل غاص في جذور هذا الفن الذي حمله العبيد الأفارقة إلى شمال القارة، فصار بمرور الزمن خزّانًا للذاكرة الجمعية ووسيلة للتداوي النفسي ونافذة للتعبير عن ماضٍ مقموع. بنبازة لم يتعامل مع كناوة كفن فولكلوري، بل كظاهرة اجتماعية وروحية معقدة تستحق التفكيك والتحليل.
اعتمد في بحثه على شهادات حية من “المعلمين” و”المقادميات”، واستقرأ الطقوس الليلية وطقوس الجذب، كما توقف عند الرمزية العميقة للآلات مثل “الكمبري” والأزياء والألوان التي تكتسي بها أجساد المريدين، فضلًا عن المتون اللفظية المصاحبة للرقصات. لم يتقوقع تحليله داخل الحدود المغربية، بل وسّع النظرة لتشمل الجزائر وتونس، مبرزًا كيف أن فن كناوة في الجزائر يتخذ شكل طقوس “الديوان” خاصة في مناطق بشار وتيميمون، حيث تتقاطع الروح الكناوية مع إيقاعات الطبول الصحراوية، وتمارس ضمن زوايا مقدسة بطقوس تختلف نسبيًا عن نظيرتها المغربية من حيث الأدوات واللباس.
أما في تونس، فالفن الكناوي يندمج أحيانًا في الطقوس العيساوية أو في بعض الطرق الصوفية، ويحافظ عليه أبناء عائلات ذات أصول إفريقية في الجنوب، ما يدل على أن لهذا التراث امتدادًا وجذورًا مغاربية مشتركة. في أحد مقاطع بحثه، كتب بنبازة: “كناوة ليست حكرًا على بلد، بل هي حكاية عبور جماعي بين الشعوب، انتقلت مع الذاكرة، وتحوّلت حسب خصوصية المكان، لكنها حافظت على جوهرها… إنها لغة الحرية في وجه الصمت.”
العمل الأكاديمي نال إعجاب مشرفي الجامعة واعتُبر نموذجًا يُحتذى به في كيفية تناول التراث اللامادي بمنظور حديث يتجاوز الحدود الوطنية. هذا التقدير لم يكن نهاية الرحلة بالنسبة لبنبازة، بل بداية لطموح أكبر، إذ صرّح في مكالمة هاتفية عن رغبته في مواصلة البحث في سلك الماستر، مع الاشتغال على مشروع توثيقي سمعي بصري يهدف إلى مقارنة الليالي الكناوية بين المغرب وتونس، وإعداد إصدار ثنائي اللغة يربط القارئ الأوروبي بالمغاربي.
قصة عادل بنبازة هي قصة باحث ومهاجر في آن، رجل اختار أن يكتب تاريخًا منسيًا بلغة الفن، وأن يعيد تقديم ذاكرة إفريقيا إلى العالم بإيقاع من روح الأرض وصوت من عمق المعاناة والتحرر.