
لطالما كانت العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل إحدى أعمدة الاستراتيجية الغربية في الشرق الأوسط. تحالفٌ وُلد من رحم الحرب الباردة، ونما على وقع الحروب والصراعات، حتى أصبح أشبه بتحالف وجودي لا يتزعزع. إلا أن ما نشهده اليوم في ربيع 2025 لا يمكن تجاهله أو التقليل من دلالاته: فتصدع الثقة، واتساع فجوة المصالح، باتا أكثر وضوحاً من أي وقت مضى.
إعلان حركة “حماس” نيتها إطلاق سراح الرهينة الأمريكي-الإسرائيلي إدن ألكسندر بعد مفاوضات مباشرة مع واشنطن والقاهرة والدوحة، دون إشراك إسرائيل، كان كفيلاً بإشعال غضب تل أبيب. لم تكن إسرائيل في صورة التفاصيل، ولم تكن طرفاً فاعلاً في اتفاق شكّلت فيه الولايات المتحدة الواجهة التفاوضية. ورغم أن إسرائيل وافقت على وقف مؤقت لإطلاق النار لتأمين الإفراج، فإن نتنياهو سارع للتأكيد على أن حكومته غير ملتزمة بأي هدنة شاملة، مشيراً إلى أن الضغط العسكري وحده هو ما دفع حماس إلى التنازل. كان ذلك أول كسر علني لصورة “التنسيق التام” بين الطرفين، وأول مؤشر على أن واشنطن بدأت تتحرك وفق حسابات جديدة.
لم تمضِ أيام حتى أعلنت إدارة ترامب، وبوساطة عمانية، عن اتفاق لوقف إطلاق النار مع الحوثيين في اليمن، اتفاق تمّ خارج التنسيق مع إسرائيل، بل واستثناها الحوثيون صراحة منه، مؤكدين أن عداءهم لتل أبيب غير قابل للتفاوض. شعرت إسرائيل، مجدداً، أنها تُترَك وحدها في الميدان، وأن الحليف الأمريكي يتجه نحو تسويات تُحرج حلفاءه بدل أن تدعمهم. وكان تعليق نتنياهو واضحاً حين قال إن “إسرائيل ستدافع عن نفسها وحدها”، في رسالة مشفّرة لكنها بالغة الدلالة.
الأمر لم يتوقف عند الملفات الأمنية، بل طال الجانب الرمزي أيضاً. فقد استثنى ترامب إسرائيل من جولته في الخليج، التي شملت السعودية، قطر، والإمارات، في وقت كانت فيه غزة تشتعل، والحوثيون يهددون، وطهران تُلمح إلى التصعيد. غياب تل أبيب عن خريطة زيارات ترامب بدا متعمداً أكثر من كونه سقط سهواً، ورسالة مفادها أن واشنطن بصدد إعادة ترتيب أوراقها الإقليمية بعيداً عن مظلة التحالف التقليدي.
في موازاة ذلك، يتصاعد القلق الإسرائيلي من نية إدارة ترامب التفاوض مجدداً مع إيران حول ملفها النووي. فبينما ترى واشنطن أن العودة إلى طاولة الحوار مع طهران هي وسيلة لاحتواء التوتر وضبط الطموحات النووية، تعتبر إسرائيل هذا التوجه خطراً استراتيجياً يفتح المجال أمام إيران لتكرار سيناريو التسويف، بينما تعيد بناء قدراتها العسكرية في الخفاء.
ما يجري اليوم ليس مجرد سوء تفاهم، بل أقرب ما يكون إلى مفترق طرق حقيقي في علاقة تاريخية. الولايات المتحدة تغيرت، وإسرائيل كذلك، والمنطقة لم تعد كما كانت. إن إعادة تشكيل التحالفات والمواقف باتت جزءاً من ضرورات الزمن السياسي، ولم يعد ممكناً الافتراض أن ثوابت الأمس يمكن أن تصمد أمام متغيرات اليوم.
ورغم كل ما يعتري العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل من توترات ومشاكل، فإنه من المستبعد أن يستمر هذا الشرخ طويلاً. فكلا البلدين، رغم اختلافاتهما الظاهرة، يظلان وجهين لعملة واحدة. ففي النهاية، مصالح أمريكا الاستراتيجية في الشرق الأوسط لا يمكن أن تتحقق بدون إسرائيل، والعكس صحيح. علاوة على ذلك، فإن التحديات المشتركة التي تواجه كلا البلدين، سواء من إيران أو من الجماعات المسلحة في المنطقة، ستدفعهما في النهاية إلى إعادة تفعيل تحالفهما. فهذه الأزمات، على الرغم من تعقيداتها، لا يمكن تجاوزها إلا بالتعاون الوثيق بين الحليفين. لذلك، من المحتمل أن يعيد الطرفان ترتيب أوراقهما ويجدان طرقاً للتصالح، لأنهما يدركان في النهاية أن أي انقسام طويل الأمد سيضر بمصالحهما المشتركة.