
أثار حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بمشرع بلقصيري جدلاً واسعاً في الرأي العام، بعد أن قضى بالسجن النافذ لمدة شهرين فقط في قضية وُصفت في بدايتها باعتداء دموي على وجه شابة احتاجت إلى 88 غرزة لرتق جراحها. غير أن معطيات جديدة كشفتها جلسات المحاكمة، قلبت مجرى القضية وأظهرت حقيقة مغايرة لما تم تداوله على نطاق واسع في مواقع التواصل الاجتماعي.
القضية تعود إلى سهرة ليلية جمعت أربعة أشخاص في منزل خاص، حيث كان استهلاك الكحول حاضراً بقوة. خلال تلك الليلة، وقعت مشادات بين المشاركين، بينهم شخص يدعى “ي” وشابة تُدعى “خ”، التي غادرت السهرة وهي تحمل جروحاً خطيرة على مستوى الوجه. الرواية التي تم تداولها في البداية، وساندتها تصريحات “خ” وشخصين آخرين كانا حاضرين، أفادت بأن “ي” اعتدى على الشابة بواسطة قارورتين مكسورتين، مما تسبب في جروح عميقة في وجنتيها.
لكن مجريات المحاكمة أخذت منحى مختلفاً بعدما قدم دفاع المتهم تسجيلات صوتية لصديقة الشابة، تؤكد فيها أن “خ” هي من أحدثت تلك الجروح بنفسها، وهو ما تم تأكيده لاحقاً من خلال مواجهة قضائية بين صاحبة التسجيل والمُخاطبة فيه. وبحسب مصدر قضائي تحدث إلى جريدة وطنية، فإن الاعترافات التي تلت عرض التسجيل، بالإضافة إلى تضارب أقوال من وصفوا أنفسهم بالشهود، أدت إلى سقوط تهمة الاعتداء عن المتهم، فيما احتفظت المحكمة بتهم أخرى، من بينها إعداد وكر للدعارة.
الحكم النهائي قضى بشهرين حبسا نافذاً ضد المتهم، وهو ما أثار موجة من التساؤلات بشأن التكييف القانوني لقضية أثارت الانفعال والغضب قبل أن تتكشف خيوطها الحقيقية في جلسات المحاكمة. ووفقاً للمصدر ذاته، فإن جميع أطراف القضية يحتفظون بحقهم في الاستئناف.
التعليقات على منصات التواصل الاجتماعي والوسائل الإعلامية أظهرت انقساماً في الرأي العام بين من طالب بمحاسبة الشابة بتهمة التبليغ الكاذب، ومن شكك في مدى عدالة الحكم المرتبط بتهمة إعداد وكر للدعارة، في ظل ما يعتبره البعض تساهلاً قانونياً مع وقائع تُعد من قبيل الإخلال العلني بالحياء أو المشاركة في نشاطات غير قانونية.
تعكس هذه القضية التباساً واضحاً بين الوقائع التي يتم تداولها بشكل انفعالي في الفضاء العام، وبين حقيقة ما يجري داخل أروقة المحاكم، كما تثير نقاشاً أوسع حول كيفية التعامل القضائي مع قضايا الرأي العام، وحدود الإثبات، ومدى قانونية وسائل الإثبات غير التقليدية، من قبيل التسجيلات الصوتية الخاصة.