بحلول سنة 2040.. المغرب يسعى ليصبح دولة بحرية رائدة بأسطول وطني مكون من 100 سفينة
Heure du journal - خالد وجنا
يسعى المغرب، كجزء من رؤية استراتيجية طموحة، إلى أن يصبح بحلول سنة 2040 دولة بحرية رائدة بأسطول مكون من 100 سفينة، وهو ما يعكس توجه المملكة نحو تعزيز مكانتها الاقتصادية والإقليمية والدولية. تهدف هذه الرؤية إلى تطوير صناعة بحرية وطنية متكاملة، ترتكز على خلق بيئة تنافسية قادرة على مواجهة التحديات الدولية، وتدعيم السيادة الوطنية في مجال النقل البحري. يأتي هذا المشروع ليُشكل نقطة تحول كبيرة في تاريخ القطاع البحري بالمغرب، الذي طالما كان مركزياً في التجارة والتنمية الاقتصادية للبلاد.
انطلقت هذه الاستراتيجية بدراسة معمقة للقطاع البحري، أُجريت بمساعدة مكتب دولي مرموق، واستندت إلى تحليل شامل لأوضاع الصناعة البحرية الحالية في المغرب. تضمن الإعداد لهذه الاستراتيجية عقد ما يزيد عن 100 اجتماع تشاوري مع مختلف الفاعلين في القطاع، بما في ذلك المسؤولين العموميين والمستثمرين الخواص والخبراء. ويُظهر هذا النهج التشاركي رغبة المملكة في بناء قاعدة صلبة تُسهم في إنجاح هذه الخطة المستقبلية. كما تمت الاستفادة من أفضل الممارسات العالمية، لضمان أن يكون المشروع على أعلى مستويات الجودة والكفاءة.
تركز هذه الخطة على إنشاء نظام بحري وطني قادر على المنافسة دولياً، من خلال تطوير أسطول وطني يحمل العلم المغربي. يتجاوز الهدف مجرد امتلاك السفن إلى ضمان إدارتها وتشغيلها من قبل مصالح مغربية خالصة، مما يُمثل نقلة نوعية في السياسات البحرية للبلاد. ويعكس هذا التوجه الرغبة في بناء صناعة بحرية مستقلة، تعتمد على الكفاءات المحلية وتُسهم في دعم الاقتصاد الوطني عبر تقليل الاعتماد على الأساطيل الأجنبية.
إلى جانب ذلك، تسعى الاستراتيجية إلى تعزيز التكامل الإقليمي مع دول الواجهة الأطلسية الإفريقية. يُعتبر المغرب بفضل موقعه الجغرافي المتميز عند تقاطع المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط، نقطة محورية للتجارة بين أوروبا وإفريقيا وأمريكا. ومن خلال تطوير أسطول بحري متقدم، يأمل المغرب في تعزيز دوره كمركز لوجستي رئيسي، وزيادة حجم التبادل التجاري بين القارات. كما أن الاستثمار في القطاع البحري من شأنه أن يُعزز من العلاقات الاقتصادية مع الدول الإفريقية الشريكة، ويسهم في تحقيق التنمية الإقليمية.
تمثل إزالة العوائق التي تواجه القطاع البحري أحد المحاور الأساسية لنجاح هذا المشروع. تحتاج البيئة البحرية في المغرب إلى تكييف تشريعاتها وبنيتها التحتية مع المعايير الدولية، بما يضمن تعزيز تنافسية الأسطول الوطني. تشمل هذه الإصلاحات خفض التكاليف التشغيلية، تبسيط الإجراءات الإدارية، وتوفير الدعم المالي والفني للشركات الناشطة في القطاع. كما تتطلب هذه الجهود تكوين الكفاءات البشرية اللازمة، من خلال الاستثمار في التعليم والتدريب في المجالات البحرية.
ولا تقتصر فوائد هذا المشروع على الجانب الاقتصادي فقط، بل تمتد إلى تعزيز السيادة الوطنية في مجال التجارة البحرية. يعد امتلاك أسطول بحري وطني وسيلة لتحقيق استقلالية أكبر في نقل السلع والخدمات، خاصة في ظل التحديات الجيوسياسية الراهنة. فمع تزايد التوترات الدولية وتغير خريطة التجارة العالمية، يصبح تطوير قطاع النقل البحري ضرورة استراتيجية لضمان استمرار تدفق البضائع والحفاظ على استقرار الاقتصاد الوطني.
إضافة إلى ذلك، يتوقع أن يسهم هذا المشروع في خلق آلاف فرص العمل المباشرة وغير المباشرة، سواء في مجال بناء السفن أو تشغيلها أو في الخدمات المرافقة مثل الصيانة والنقل والتأمين. كما أن تطوير القطاع البحري سيحفز الابتكار ونقل التكنولوجيا إلى المغرب، مما يفتح آفاقاً جديدة للتنمية الصناعية في البلاد. ومن المتوقع أيضاً أن يكون للمشروع أثر إيجابي على البيئة، من خلال الالتزام بالمعايير البيئية العالمية وتطوير حلول نقل بحري مستدامة.
في سياق هذه الرؤية، يبرز التزام الحكومة المغربية بتحقيق أهداف التنمية المستدامة، حيث يسعى المشروع إلى تحقيق توازن بين الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. يعد الاستثمار في قطاع النقل البحري خطوة استراتيجية لدعم النمو الشامل وتعزيز مرونة الاقتصاد الوطني أمام التحديات العالمية. كما أن تطوير الصناعة البحرية يتماشى مع رؤية المغرب 2030 للتنمية الاقتصادية، التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد وتعزيز مكانته كمركز للاستثمار والتجارة.
مع اقتراب عام 2040، تبدو المملكة المغربية على أعتاب تحول جذري في قطاعها البحري. فبفضل التخطيط الدقيق والتعاون المثمر بين الحكومة والقطاع الخاص، يمكن لهذا المشروع أن يُسهم في وضع المغرب على خريطة الدول البحرية الرائدة في العالم. وبينما تبقى التحديات قائمة، فإن الإرادة السياسية والرؤية الواضحة تمثلان ضمانة لتحقيق هذا الحلم الوطني، وتحويل المغرب إلى نموذج يُحتذى به في مجال التنمية البحرية على المستوى الإقليمي والدولي.