الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري تكشف عن تطورات المشهد الإعلامي في المغرب خلال 2023
Heure du journal
شهد المشهد السمعي البصري المغربي خلال سنة 2023 تحولات متسارعة فرضتها التغيرات التكنولوجية والاقتصادية المتلاحقة، وهو ما دفع الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري إلى تكثيف جهودها من أجل تقنين القطاع وضمان احترام مبادئ التعددية وحرية التعبير وجودة المضامين الإعلامية. وقد تميزت السنة برصد دقيق للمضامين السمعية البصرية، حيث أصدر المجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري 52 قرارًا حول قضايا متعددة، من بينها حماية الكرامة الإنسانية، وضمان تعددية التعبير عن الرأي، ونزاهة الأخبار، وحرية الإبداع. كما تم تسجيل ارتفاع في عدد الشكايات المقدمة من الأفراد والجمعيات والأحزاب السياسية، مما يعكس تزايد وعي الجمهور بأهمية التقنين وضمان الحياد في المشهد الإعلامي.
وفي إطار متابعة التغطية الإعلامية للأحداث الوطنية، خصصت الهيئة اهتمامًا خاصًا لكيفية تعامل القنوات والإذاعات مع زلزال الحوز، مسجلةً استجابة سريعة للمتعهدين في تكييف برمجتهم مع المستجدات، وتعزيز دورهم في محاربة الأخبار الزائفة، وترسيخ قيم التضامن. وقد أظهرت التحليلات الإعلامية أن القنوات والإذاعات الوطنية لعبت دورًا مهمًا في تقديم تغطية متوازنة، إلا أن بعض التحديات لا تزال قائمة، مثل ضرورة تحسين سرعة الاستجابة للأحداث الكبرى وضمان وصول المعلومات الدقيقة إلى المواطنين في الوقت المناسب. كما أصدرت الهيئة تقريرًا حول خطاب العنف في المضامين الرياضية، محذرةً من تأثير بعض الممارسات الإعلامية في تكريس العنف داخل الملاعب، ومؤكدة ضرورة تعزيز الوعي الإعلامي لدى الصحفيين والمعلقين الرياضيين حول كيفية تقديم محتوى يساهم في ترسيخ قيم الروح الرياضية والتسامح.
وعلى مستوى تعزيز الثقافة الرقمية، ساهمت الهيئة في مبادرات تهدف إلى حماية الأطفال من مخاطر الإنترنت، كما شاركت في الحملة الأممية لمناهضة العنف ضد النساء، مؤكدة التزامها بمحاربة الصور النمطية وتعزيز المساواة بين الجنسين في الإعلام. وقد تم تنظيم حملات توعوية بالتعاون مع مؤسسات وطنية ودولية، من أجل تعزيز وعي الأسر بضرورة مراقبة المحتويات الرقمية التي يستهلكها الأطفال، بالإضافة إلى تشجيع الفاعلين الإعلاميين على إنتاج محتوى يعكس التنوع الثقافي ويحترم المبادئ الأخلاقية والمهنية. كما واصلت الهيئة دورها في تطوير السياسات القطاعية، من خلال المشاركة في الخطة الحكومية للمساواة، والمساهمة في تقرير المغرب المقدم إلى لجنة وضع المرأة التابعة للأمم المتحدة، وهو ما يعكس التزامها بالعمل على إدماج مقاربة النوع الاجتماعي في المجال الإعلامي.
أما على مستوى تدبير الترددات، فقد شهدت سنة 2023 تخصيص وتعيين ترددات جديدة لفائدة الإذاعات والقنوات التلفزية، بهدف توسيع التغطية وضمان وصول الخدمات الإعلامية إلى مختلف جهات المملكة، خاصة في المناطق النائية التي تعاني من ضعف التغطية الإذاعية والتلفزية. كما قامت الهيئة بتقييم شامل لمستوى انتشار البث الإذاعي والتلفزي، وتفاعلت مع شكايات المواطنين الراغبين في تعزيز التغطية الإعلامية بمناطقهم. وقد تم تسجيل تزايد في الطلبات المقدمة من قبل الفاعلين الإعلاميين من أجل الحصول على ترددات جديدة، مما يعكس ديناميكية القطاع وحاجته إلى المزيد من الموارد لضمان خدمة إعلامية أكثر شمولية وجودة.
في سياق متصل، استمر التفاعل مع القضايا المتعلقة بحرية الإعلام والمسؤولية المهنية، حيث تم تحليل المعالجة الإعلامية لبعض الأحداث البارزة مثل سقوط الطفل ريان، ومدى احترام المعايير الأخلاقية والمهنية في تغطية القنوات والإذاعات الوطنية لهذه الواقعة التي استأثرت باهتمام واسع. وقد أظهر التحليل أن وسائل الإعلام المغربية قدمت تغطية مكثفة لهذا الحدث، مع الحرص على احترام المبادئ الأخلاقية، إلا أن بعض التحديات برزت، مثل انتشار الأخبار غير الدقيقة عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتأثيرها على الرأي العام.
تعكس هذه الجهود حجم التحديات التي تواجه قطاع الاتصال السمعي البصري في المغرب، حيث تظل الحاجة ملحة إلى تطوير نموذج إعلامي قادر على الموازنة بين الحرية والمسؤولية، وبين الاستجابة للتطورات الرقمية وضمان الجودة والمهنية. ومن الواضح أن مستقبل الإعلام المغربي مرهون بمدى قدرة مختلف الفاعلين على التكيف مع التحولات المتسارعة، والاستجابة لتطلعات الجمهور في سياق إعلامي عالمي أكثر تعقيدًا. كما أن التحولات الرقمية المتسارعة تفرض تحديات جديدة، تتطلب مقاربات مبتكرة لضمان إعلام مهني ومسؤول، قادر على مواجهة تأثيرات الأخبار الزائفة وضمان الحق في الحصول على المعلومة الدقيقة والموثوقة.