في جلسة المساءلة الشهرية المتعلقة بالسياسة العامة بمجلس المستشارين، أثارت فرق المعارضة انتقادات حادة للحكومة بشأن المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية التي قدمها رئيس الحكومة عزيز أخنوش. واعتبرت المعارضة أن هذه المؤشرات تكشف عن محدودية الاقتصاد الوطني وتعثر الحكومة في تنزيل ورش الحماية الاجتماعية، وهو ما ينعكس سلباً على القدرة الشرائية للمواطنين وأوضاع العمال.
خلال هذه الجلسة، لم ينكر المستشارون المنتمون للمعارضة أن بعض المؤشرات الاقتصادية أظهرت تحسناً طفيفاً، غير أنهم أكدوا أن هذا التحسن لم يترجم إلى نتائج ملموسة على مستوى معيشة المواطنين. فقد أشاروا إلى ارتفاع نسبة البطالة التي وصلت، وفق الإحصاءات الأخيرة، إلى 21%، في حين أن الحكومة كانت تحصرها في 13% خلال السنوات الماضية. كما أكدوا أن نسبة البطالة في صفوف الشباب تجاوزت 35%، بينما تخطت 20% بين حاملي الشهادات، مما يعكس أزمة حقيقية في سوق الشغل.
من جهة أخرى، أوردت المعارضة أن عدد الفقراء في المغرب بلغ مليوناً ونصف المليون، وهو ما يعكس اتساع دائرة الهشاشة الاجتماعية. كما انتقد المستشارون السياسات المالية للحكومة، معتبرين أنها محدودة الفعالية ولم تتمكن من تحقيق الوعود التي قدمتها في برامجها وتصريحاتها السابقة. فقد كان من المتوقع أن يحقق الاقتصاد الوطني نمواً بنسبة 3.7% خلال العام الماضي، غير أن النسبة المحققة لم تتجاوز 2.9%، مما يعكس تراجع الأداء الاقتصادي مقارنة بالتوقعات.
التحديات التي تواجه المواطن المغربي لم تقتصر فقط على البطالة، بل شملت أيضاً الارتفاع المستمر في أسعار المواد الأساسية، وعلى رأسها اللحوم الحمراء والدواجن، وهو ما اعتبره المستشارون البرلمانيون دليلاً على فشل الحكومة في مواجهة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية. كما أشاروا إلى أن مخطط “المغرب الأخضر”، الذي كان من المفترض أن يحقق الأمن الغذائي، لم ينجح في الحد من ارتفاع الأسعار، مما دفع الحكومة إلى إطلاق مخطط “الجيل الأخضر 2020-2030″، الذي لم تظهر نتائجه بعد.
القدرة الشرائية للمواطنين كانت أيضاً في صلب انتقادات المعارضة، حيث أكد المستشارون أن الأجور لم تشهد أي تحسن يذكر، بينما استمرت الأسعار في الارتفاع، مما أدى إلى تآكل المداخيل وتأزيم الوضع المعيشي لعدد كبير من الأسر المغربية. كما شددوا على أن أكثر من 60% من القوى العاملة في البلاد لا تزال خارج نطاق الحماية الاجتماعية، وهو ما يشكل تهديداً حقيقياً للاستقرار الاجتماعي.
في سياق آخر، طرحت المعارضة تساؤلات حول مدى استفادة الاقتصاد الوطني من الاستثمارات الأجنبية والاتفاقيات التجارية التي يوقعها المغرب مع التكتلات الاقتصادية الكبرى. وأكد المستشارون أن تعزيز جاذبية الاقتصاد الوطني لا ينبغي أن يتم على حساب حقوق العمال، مشيرين إلى أن الحكومة تسعى إلى تمرير قانون الإضراب دون إشراك النقابات في مناقشته، وهو ما وصفوه بمحاولة “اغتيال” أحد الحقوق الأساسية للطبقة العاملة.
وأمام هذه الانتقادات، أبدت المعارضة رفضها لما أسمته “تهريب” القوانين الاجتماعية من طاولة الحوار الاجتماعي إلى البرلمان، معتبرة أن ذلك يشكل ضرباً صارخاً للاتفاقيات الموقعة بين الحكومة والنقابات. كما اعتبر المستشارون أن تعطيل الحوار الاجتماعي والإجراءات التي تمس حقوق العمال سيؤديان إلى المزيد من الاحتقان الاجتماعي، وهو ما دفع الحركة النقابية إلى الدعوة لإضراب وطني شامل.
من جهته، أكد الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب أن المغرب شهد تطورات إيجابية في العديد من المجالات، خاصة في ظل التوجهات التي يقودها الملك محمد السادس، غير أن الحكومة لم تتمكن من مواكبة هذا الإيقاع المرتفع، مما انعكس سلباً على تنفيذ البرامج الاجتماعية والاقتصادية. وأشار مستشاروه إلى أن 8 ملايين مغربي ما زالوا خارج التغطية الصحية، وأن نسبة البطالة بلغت 21%، رغم وعود الحكومة بتوفير مليون منصب شغل، كما سجلوا فشل برنامج “فرصة” وعدم تحقيق تقدم في ملف الحوار الاجتماعي.
في ظل هذه التحديات، يتواصل الجدل حول مدى قدرة الحكومة على تنفيذ التزاماتها وتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية التي وعدت بها، في وقت تزداد فيه الضغوط من طرف المعارضة والنقابات التي ترفض المساس بحقوق العمال والمكتسبات الاجتماعية. وبينما تؤكد الحكومة أنها تسير في الاتجاه الصحيح، ترى المعارضة أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية تزداد سوءاً، وهو ما يضع الحكومة أمام اختبار حقيقي لقدرتها على إدارة الأزمات وتحقيق تطلعات المواطنين.