إجبارية شهادة تأمين جديدة للحصول على رخصة السكن بالمغرب ابتداءً من 30 دجنبر 2024
Heure du journal - خالد وجنا
دخلت تأمينات “مخاطر الورش” و”المسؤولية المدنية العشرية” مرحلة جديدة في إطار تنظيم قطاع البناء بالمغرب، بعد إعلان هيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي (ACAPS) والجامعة المغربية للتأمين (FMA) عن دخول إجبارية هذه التأمينات حيز التنفيذ ابتداءً من 30 دجنبر 2024. هذا القرار يمثل خطوة كبيرة نحو تعزيز الحماية القانونية للأفراد والمؤسسات في قطاع البناء، بما يضمن جودة واستدامة المشاريع العقارية ويعزز ثقة المستثمرين والمواطنين.
أصبح الحصول على “رخصة السكن” أو “شهادة المطابقة” مشروطاً بتقديم شهادة تأمين “المسؤولية المدنية العشرية”، وهو ما يفرض على المهنيين المكلفين بالأشغال، بما في ذلك المهندسين المعماريين والمهندسين والمقاولين، الالتزام بإجراءات جديدة تعزز من مسؤوليتهم تجاه المشاريع التي يشرفون عليها. يغطي هذا التأمين الضروري الأضرار التي قد تلحق بالمباني خلال عشر سنوات بعد تسلم الأشغال، وهو ما يتيح حماية فعالة ضد المشكلات التي قد تؤثر على متانة البناء، مثل الانهيارات الناجمة عن عيوب في التصميم أو التنفيذ، أو استخدام مواد غير مطابقة للمعايير، أو حتى المشكلات المتعلقة بالتربة.
يمتد نطاق تطبيق هذه التأمينات ليشمل مجموعة واسعة من المباني، مثل المباني الصناعية، التجارية، الفندقية، الرياضية، وأيضاً المباني السكنية التي تزيد عن ثلاثة طوابق أو التي تتجاوز مساحتها 800 متر مربع. هذا التوسيع في مجال التطبيق يعكس حرص الجهات المعنية على شمولية الإجراءات الجديدة، بما يضمن حماية مختلف أنواع العقارات سواء للاستخدام الشخصي أو المهني.
تعتبر تأمينات “مخاطر الورش” بمثابة الدرع الوقائي الذي يغطي فترة تنفيذ الأشغال، إذ تضمن تعويض الأضرار التي قد تحدث أثناء مراحل البناء. من جهة أخرى، يبدأ تطبيق تأمين “المسؤولية المدنية العشرية” فور انتهاء المشروع وتسليمه، مما يوفر حماية طويلة الأمد ضد الأضرار التي قد تظهر بعد سنوات من الاستعمال. هذه المنظومة التأمينية تعزز من الاستقرار والثقة بين مختلف الأطراف المشاركة في العملية العقارية، سواء كانوا مستثمرين، مهنيين، أو مستفيدين نهائيين.
تشكل هذه الإجراءات تحدياً كبيراً للمهنيين في قطاع البناء، إذ تتطلب منهم الالتزام بمعايير صارمة تضمن سلامة وجودة المشاريع العقارية. كما أنها تضعهم أمام مسؤولية قانونية كبيرة تستدعي الحرص على تنفيذ الأشغال وفق أعلى المعايير التقنية والقانونية. وبالرغم من أن هذه المتطلبات قد تزيد من التكاليف المبدئية للمشاريع، إلا أنها تعد استثماراً في الجودة والمصداقية، مما يقلل من المخاطر المستقبلية المرتبطة بالأضرار والتعويضات.
تأتي هذه الإجراءات في سياق الإصلاحات التي تسعى الحكومة المغربية إلى تحقيقها في قطاع العقارات، بهدف مواكبة المعايير الدولية وتحسين المناخ الاستثماري في البلاد. فإلزامية هذه التأمينات تمثل خطوة نحو تعزيز الاستدامة في المشاريع العقارية، حيث تركز على ضمان جودة البناء وتحقيق التوازن بين مصالح جميع الأطراف. كما أن إدراج المباني ذات الاستخدام الصناعي والتجاري ضمن نطاق التطبيق يشير إلى أهمية حماية الأنشطة الاقتصادية التي تعتمد بشكل كبير على المنشآت العقارية.
تُظهر هذه التحديثات التزام المغرب بتطوير قطاع البناء من خلال تبني سياسات تعزز من الحماية القانونية والمالية للمستثمرين والمستخدمين على حد سواء. فإجبارية التأمينات الجديدة لا تهدف فقط إلى تقليل المخاطر، بل أيضاً إلى خلق إطار عمل مستدام يعكس رؤية مستقبلية لقطاع العقارات، حيث تصبح الجودة والمسؤولية المشتركة بين جميع الأطراف الأسس التي يقوم عليها هذا القطاع الحيوي.
في ظل هذه التطورات، يبدو أن المرحلة المقبلة ستشهد تغييرات جذرية في كيفية تنفيذ المشاريع العقارية بالمغرب. فمع تعزيز الرقابة وتطبيق التأمينات الإلزامية، يتوقع أن تتحسن جودة البناء ويقل خطر المشكلات التقنية التي كانت تؤثر سلباً على ثقة المواطنين في المشاريع العقارية. كما أن هذه الإجراءات قد تسهم في تقوية سمعة القطاع العقاري المغربي على الصعيد الدولي، مما يفتح الباب أمام جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية التي تبحث عن بيئة آمنة ومستقرة.
بذلك، يمثل دخول تأمينات “مخاطر الورش” و”المسؤولية المدنية العشرية” مرحلة إلزامية، منعطفاً مهماً في تاريخ تنظيم البناء بالمغرب، حيث يعكس رؤية طموحة نحو تعزيز الحماية والجودة والاستدامة في المشاريع العقارية، بما يخدم مصالح المهنيين والمستفيدين على حد سواء.