
أميركا تُدير ظهرها لليونيسكو مجددًا.. انسحاب ثالث يربك التوازن الثقافي العالمي
Heure du journal - هيئة التحرير
في خطوة مثيرة للجدل، لكنها لم تكن متوقعة تماماً، أعلنت الولايات المتحدة الأميركية عن انسحابها مجدداً من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، المعروفة اختصاراً بـ”اليونيسكو“. هذا القرار وصفه دبلوماسيون في نيويورك بكونه ارتداداً جديداً عن تعددية الأطراف. كما يشير بوضوح إلى عودة التوتر بين واشنطن والمنظمات الدولية الكبرى.
تاريخ من الانسحابات والعودات
القرار الذي أعلنه البيت الأبيض، سيدخل حيز التنفيذ نهاية سنة 2026. هذا يعيد إلى الأذهان سوابق مماثلة. الولايات المتحدة انسحبت في الثمانينيات، ثم عادت، لتنسحب مرة أخرى في 2018. قبل ذلك، كانت قد عادت في عهد إدارة بايدن سنة 2023. لكن يبدو أن الإدارة الحالية لا ترى في هذه العودة مصلحة وطنية حقيقية. فقد اعتبرت أن اليونيسكو قد انحرفت عن أهدافها الأساسية. كما تحولت إلى ساحة صراع أيديولوجي لا يخدم قيم التنوع، ولا يراعي مصالح الولايات المتحدة، حسب تعبيرها الرسمي.
تبريرات واشنطن ودوافع الانسحاب
بررت الإدارة الأميركية قرارها بما وصفته بـ”التحيزات المتكررة” داخل المنظمة. هذا يرتبط خاصة بالمواقف المتعلقة بإسرائيل. إلى جانب ذلك، أشارت إلى ما اعتبرته “نشراً لأجندات ثقافية متطرفة”. لم تقدم واشنطن تفاصيل إضافية حول هذه المزاعم. وذهب مراقبون إلى أن الدافع الحقيقي خلف هذه الخطوة قد يكون مرتبطاً بتوجه سياسي أوسع داخل واشنطن. هذا التوجه يسعى إلى تقليص الوجود الأميركي في المحافل الأممية، مقابل تعزيز الأولوية للسياسات الداخلية للولايات المتحدة.
ردود فعل دولية وآفاق التمويل
في المقابل، سارعت اليونيسكو إلى التعبير عن أسفها العميق للقرار الأميركي. كما أبدت استعدادها لمواصلة العمل مع جميع أعضائها. الهدف هو حماية التراث الإنساني وتعزيز التعليم والثقافة على الصعيد العالمي. في حين، لم تخفِ عدد من العواصم الأوروبية تخوفها. هي تخشى أن يؤدي هذا الانسحاب إلى إضعاف قدرة المنظمة على القيام بأدوارها الحيوية. خاصة في مناطق النزاع، حيث تلعب الوساطة الثقافية والتربوية دوراً أساسياً.
ويرى متتبعون أن انسحاب واشنطن، وإن لم يكن جديداً في حد ذاته، يعكس توجهاً أكثر راديكالية في مقاربة العلاقات الدولية. هذا يطرح علامات استفهام كبرى حول مستقبل التمويل داخل المنظمة. خاصة وأن الولايات المتحدة كانت من بين أبرز المساهمين مالياً في ميزانيتها. كما أن هذه الخطوة قد تفتح المجال أمام قوى أخرى مثل الصين وروسيا لتوسيع نفوذها داخل مؤسسات الأمم المتحدة. هذا يأتي في وقت تتصاعد فيه التنافسات الجيوسياسية على النفوذ الثقافي والمعرفي في العالم.
تداعيات القرار على التوازنات العالمية
هكذا، يبدو أن قرار الانسحاب الأميركي من اليونيسكو لن يمر مرور الكرام. لن يكون ذلك داخل أروقة المنظمة فحسب، بل كذلك على مستوى التوازنات الدبلوماسية العالمية. هذا يحدث في زمن تتقاطع فيه الثقافة مع السياسة، والتعليم مع الصراعات الكبرى، بشكل غير مسبوق. إن هذه الخطوة تعيد التأكيد على تعقيدات العلاقات الدولية في القرن الحادي والعشرين.



