
رابطة علماء المغرب العربي ترفض التعديلات المقترحة على مدونة الأسرة وتعتبرها تهديدًا للهوية الإسلامية
في سياق يشهد تفاعلات واسعة ومواقف متباينة، أصدرت الأمانة العامة لرابطة علماء المغرب العربي بيانًا مثيرًا للجدل بشأن التعديلات المقترحة على مدونة الأسرة المغربية. البيان، الذي صيغ بلهجة صريحة وواضحة، أبدى معارضة شديدة لهذه التعديلات التي وصفتها الهيئة بأنها خروج عن الأحكام الشرعية وتعدٍّ على المبادئ الدينية والثقافية التي تشكل أساس الهوية المغربية. وتضمن البيان تحذيرات قوية مما اعتبره ضغوطًا دولية تسعى لتغيير بنية التشريعات الوطنية على نحو يتنافى مع الخصوصيات الإسلامية.
ركز البيان على عدة نقاط رئيسية، أبرزها رفض أي تعديل يتعلق بالأحكام الشرعية المرتبطة بالزواج والطلاق. وأكدت الهيئة أن هذه الأحكام قطعية ولا يجوز المساس بها، مشيرة إلى أن اشتراط الشريعة لحضور الشاهدين المسلمين في عقد الزواج ليس تفصيلًا قابلًا للتجاهل، بل هو ضمانة شرعية تحفظ حقوق الأطراف وتضمن عدالة العقد. كما حذرت الهيئة من تداعيات توسيع نطاق الحالات التي يمكن فيها طلب الطلاق، معتبرة أن مثل هذه التعديلات قد تؤدي إلى تفكك الأسرة وزعزعة الروابط الاجتماعية، وهو ما سيخلق أزمات اجتماعية جديدة تهدد استقرار المجتمع.
فيما يتعلق بالميراث، شدد البيان على أن أحكامه قائمة على نصوص قرآنية قطعية الدلالة، وأن أي محاولة لتعديل هذه الأحكام وفق مفاهيم حديثة للمساواة تُعد انتهاكًا للنصوص الشرعية وتجاوزًا لحدود الدين. وأبرزت الهيئة أن توزيع الإرث في الإسلام يستند إلى مبدأ التوازن بين الحقوق والواجبات، وأن الإخلال بهذا التوازن من شأنه أن يزعزع استقرار العلاقات داخل الأسرة. كما عبر البيان عن رفض قاطع لمحاولات تكييف قوانين الميراث لتتوافق مع المعايير الدولية أو الضغوط الخارجية، معتبرًا أن ذلك يمثل تهديدًا جوهريًا للهوية الإسلامية للمغرب.
وأشار البيان إلى أن هذه التعديلات لم تأت نتيجة نقاش فقهي أو اجتماعي حقيقي داخل المجتمع المغربي، بل جاءت، بحسب وصف الهيئة، استجابة لضغوط دولية تسعى لتقويض الخصوصيات الدينية والثقافية للمغرب. واعتبر أن تبني مثل هذه التعديلات لن يخدم مصلحة الأسرة، بل سيؤدي إلى تعميق الشروخ الاجتماعية، وزيادة النزاعات داخل الأسر، مع ما يترتب على ذلك من آثار سلبية تطال النساء والأطفال على وجه الخصوص.
وفي ختام البيان، دعت الأمانة العامة القضاة والمحامين إلى رفض هذه التعديلات والعمل على منع تنفيذها حفاظًا على القيم الدينية والثقافية للمجتمع المغربي. كما طالبت المجتمع المدني بكل مكوناته بالتصدي لما وصفته بمحاولة منهجية لتغيير هوية الأمة. وأكدت الهيئة أن الوقوف أمام هذه التعديلات ليس مجرد دفاع عن الشريعة الإسلامية، بل هو أيضًا دفاع عن الاستقرار الاجتماعي والأخلاقي الذي يُعد أساسًا لبقاء المجتمع متماسكًا.
البيان أثار تباينًا واسعًا في الآراء بين مؤيد ومعارض، حيث يرى البعض أن التعديلات المقترحة تعكس استجابة لتغيرات العصر وتحدياته، بينما يعتقد آخرون أنها تتجاوز الخطوط الحمراء للهوية الدينية والثقافية. وفي ظل هذا الجدل المتصاعد، يبقى التساؤل قائمًا حول كيفية التوفيق بين احترام الخصوصيات الثقافية والدينية والانفتاح على المعايير الدولية التي تفرضها
العولمة.