من وعد بلفور إلى وعد ترامب: استمرار للسياسة الاستعمارية ومحاولة لتصفية القضية الفلسطينية.
Heure du journal - خالد وجنا
منذ وعد بلفور المشؤوم عام 1917، الذي منح اليهود وعدًا بوطن قومي على أرض فلسطين، وحتى وعد ترامب الأخير الذي يتحدث عن “السيطرة على غزة” و”إعادة توطين الفلسطينيين”، يبدو أن التاريخ يعيد نفسه بصور مختلفة، لكن بجوهر واحد: تجاهل حقوق الشعب الفلسطيني وفرض سياسات الهيمنة الغربية على المنطقة. تصريحات الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، ليست سوى حلقة جديدة في سلسلة طويلة من الوعود التي تُعطى من قوى خارجية لا تملك الحق في التصرف بأرض ليست ملكًا لها.
ترامب، الذي عُرف بسياساته المثيرة للجدل، لم يكتفِ بتحويل سفارة الولايات المتحدة إلى القدس، أو بإعلانه الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان، بل ذهب إلى أبعد من ذلك بتصريحاته الأخيرة التي تحدث فيها عن “السيطرة على قطاع غزة” و”تحويله إلى ريفيرا الشرق الأوسط”. هذه التصريحات ليست مجرد كلمات عابرة، بل تعكس رؤية استعمارية جديدة تهدف إلى إعادة تشكيل المنطقة وفقًا لمصالح القوى الكبرى، دون أدنى اعتبار لحقوق الشعب الفلسطيني أو تطلعاته في الحرية والاستقلال.
وعد بلفور كان بداية لتشريد الشعب الفلسطيني من أرضه، وتحويل قضيته من قضية شعب يسعى للحرية إلى قضية لاجئين يتنقلون بين المخيمات. اليوم، يأتي ترامب ليُكمل هذه الصورة بتصريحاته التي تتجاهل تمامًا التاريخ الطويل للنضال الفلسطيني، وتتعامل مع الأرض الفلسطينية كسلعة قابلة للتفاوض والتقسيم. فكرة “إعادة التوطين” التي يطرحها ترامب ليست جديدة، بل هي امتداد لسياسات سابقة سعت إلى تفريغ فلسطين من سكانها الأصليين، واستبدالهم بمستوطنين جدد.
ترامب يتحدث عن “مناطق مختلفة لسكان غزة” و”تحويل القطاع إلى ريفيرا الشرق الأوسط”، وكأن القضية الفلسطينية يمكن حلها بتحسين البنية التحتية أو بإنشاء مناطق سياحية. هذا النهج يتجاهل تمامًا جوهر القضية، وهو الاحتلال الإسرائيلي الذي يستمر منذ عقود، ويمنع الشعب الفلسطيني من تحقيق حلمه في دولة مستقلة ذات سيادة. بدلاً من العمل على إنهاء الاحتلال، يطرح ترامب حلولًا سطحية تهدف إلى إلهاء الفلسطينيين بوعود زائفة، بينما يتم تعزيز السيطرة الإسرائيلية على الأرض.
تصريحات ترامب لا تعكس فقط تجاهلًا للحقوق الفلسطينية، بل تعكس أيضًا محاولة لتصفية القضية الفلسطينية بشكل نهائي. عندما يتحدث عن “السيطرة على غزة” و”إعادة التوطين”، فإنه يرسل رسالة واضحة مفادها أن الولايات المتحدة تعتبر نفسها وصية على الأرض الفلسطينية، ولها الحق في التصرف بها كما تشاء. هذا النهج يتناقض تمامًا مع مبادئ القانون الدولي، التي تؤكد حق الشعوب في تقرير مصيرها، ورفض أي شكل من أشكال الاحتلال أو الاستعمار.
الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن ترامب يتحدث عن “ملك الأردن والجنرال السيسي” على أنهم الأطراف التي ستمنح الأراضي لتوطين الفلسطينيين. هذا النهج يعيد إلى الأذهان سياسات سابقة سعت إلى استبعاد الفلسطينيين من معادلة الحل، وتحويل قضيتهم إلى مجرد أزمة لاجئين يمكن حلها بتوزيعهم على الدول المجاورة. هذه الرؤية لا تعكس فقط تجاهلًا لحقوق الفلسطينيين، بل تعكس أيضًا رغبة في إلغاء وجودهم كشعب له هوية وطنية وحقوق سياسية.
تصريحات ترامب تفتح الباب أمام العديد من الأسئلة حول مستقبل القضية الفلسطينية. فهل ستستمر سياسات الهيمنة في فرض نفسها على المنطقة، أم أن هناك أمل في أن يعيد العالم النظر في موقفه من القضية الفلسطينية؟ الواقع يشير إلى أن القضية الفلسطينية ما زالت حية في قلوب الملايين حول العالم، وأن النضال من أجل الحرية والاستقلال لن يتوقف بسهولة.
لكن في الوقت نفسه، لا يمكن إنكار أن سياسات القوة والهيمنة ما زالت تُفرض على المنطقة، وأن القوى الكبرى تعمل على تعزيز مصالحها على حساب حقوق الشعوب. تصريحات ترامب ليست سوى تعبير عن هذه السياسات، التي تسعى إلى إعادة تشكيل المنطقة وفقًا لمصالحها، دون أدنى اعتبار لإرادة الشعوب أو حقوقها.
الحل الحقيقي للقضية الفلسطينية لا يمكن أن يأتي من خلال سياسات الهيمنة أو الوعود الفارغة، بل يجب أن يعتمد على احترام حقوق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة. أي حل لا يأخذ بعين الاعتبار هذه الحقوق الأساسية سيكون مجرد حل مؤقت، ولن يؤدي إلى سلام دائم أو عادل.
تصريحات ترامب، رغم خطورتها، تذكرنا بأن القضية الفلسطينية ما زالت قائمة، وأن النضال من أجل الحرية والاستقلال لم ينتهِ بعد. العالم بحاجة إلى أن يعيد النظر في موقفه من هذه القضية، وأن يعمل على دعم حقوق الشعب الفلسطيني بدلاً من تجاهلها. ففي النهاية، السلام الحقيقي لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال العدالة واحترام حقوق الإنسان