صادق مجلس النواب المغربي، في قراءة ثانية، على مشروع القانون التنظيمي رقم 97.15 المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، بعد إحالته من مجلس المستشارين، مع تصحيح خطأ مادي. وقد حظي المشروع بموافقة 84 نائباً مقابل معارضة 20، ليتم بذلك تمريره بصفة نهائية قبل إحالته على المحكمة الدستورية للتأكد من مطابقته للدستور، ثم نشره في الجريدة الرسمية ليدخل حيز التنفيذ.
جاءت هذه المصادقة بعد سنوات طويلة من الجدل حول ضرورة تقنين حق الإضراب بشكل يضمن التوازن بين حقوق العمال وضمان استمرارية العمل في القطاعات الحيوية. ومنذ أن بدأ النقاش حول هذا القانون، أثار انقساماً حاداً بين الفرقاء الاجتماعيين، حيث اعتبرته الحكومة خطوة ضرورية لتنظيم الإضراب وفق المعايير الدولية، بينما رأته بعض النقابات تضييقاً على الحريات النقابية ومحاولة لتقليص قدرة العمال على الدفاع عن حقوقهم.
وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والشغل والكفاءات، يونس السكوري، أكد خلال الجلسة العامة أن المغرب بات يتوفر على تعريف واضح للإضراب، مطابق لتعريف منظمة العمل الدولية، ويحدد الإضراب على أنه “توقف مؤقت عن العمل”. وشدد على أن الهدف من هذا المشروع ليس منع الإضراب، بل تنظيمه بطريقة تمنع التعسف في استعماله، مشيراً إلى أن “هناك من أراد أن لا يكون للإضراب أي تحديد زمني، وهذا غير موجود في أي تشريع دولي”.
وأضاف الوزير أن المشروع الجديد يسمح بممارسة الإضراب بشكل متكرر لكنه يفرض برمجة محددة له، حتى لا يؤثر على السير العادي للمؤسسات والشركات. كما أوضح أن هذا القانون جاء لحماية الحق في الإضراب عبر وضع ضوابط واضحة، معتبراً أنه ثمرة لاجتهادات متراكمة ومناقشات مطولة أخذت بعين الاعتبار مقترحات الفرقاء الاجتماعيين ومذكراتهم.
أحد أكثر الجوانب إثارة للجدل في هذا القانون كان مسألة العقوبات والجزاءات. ففي حين كان المشروع الأولي ينص على عقوبات مشددة ضد المشغلين الذين لا يحترمون حق الإضراب، أُدخلت تعديلات لاحقة رفعت بعض العقوبات، وهو ما أثار انتقادات من بعض النقابات التي اعتبرت أن ذلك قد يفتح المجال أمام بعض أرباب العمل لممارسة الضغوط على العمال لمنعهم من الإضراب.
من جهة أخرى، دافعت الحكومة عن القانون باعتباره ضرورياً لضمان الاستقرار الاقتصادي وحماية مصالح المستثمرين. رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، صرح في وقت سابق أن القانون الجديد يوفر ضمانات قانونية لكل من العمال وأرباب العمل، ويمنع الفوضى التي كانت تطبع ممارسة الإضراب في بعض القطاعات. وأضاف أن المغرب كان بحاجة إلى إطار قانوني يضمن التوازن بين حق العمال في الاحتجاج وحق المؤسسات في الاستمرار في العمل دون تعطيل.
على مستوى ردود الفعل، اعتبرت بعض النقابات أن المصادقة على القانون دون إدخال تعديلات جوهرية تعكس توجهاً نحو تقييد الحريات النقابية، مشيرة إلى أن القانون يفرض إجراءات معقدة لممارسة الإضراب، مما قد يؤدي إلى إضعاف قدرة العمال على التفاوض بشأن مطالبهم. في المقابل، يرى بعض المحللين أن القانون يمكن أن يساهم في تقليل الإضرابات العشوائية التي تعرقل بعض القطاعات الحيوية، خاصة في مجالات الصحة والتعليم والنقل.
المصادقة على هذا القانون تأتي بعد أكثر من ستة عقود من غياب إطار قانوني واضح للإضراب، وهو ما جعل مناقشته تثير حساسية كبيرة بين مختلف الأطراف. وبينما تعتبره الحكومة إنجازاً تشريعياً طال انتظاره، يبقى تطبيقه العملي هو التحدي الحقيقي، حيث ستعتمد فعاليته على مدى احترامه لحقوق العمال وعدم استخدامه كأداة للحد من الحريات النقابية.
في انتظار دخول القانون حيز التنفيذ، ستظل الأنظار متجهة نحو المحكمة الدستورية، التي ستبت في مدى توافقه مع الدستور المغربي، قبل أن تبدأ مرحلة التطبيق الفعلي التي قد تكون اختباراً حقيقياً لمدى نجاحه في تحقيق التوازن بين حق الإضراب وضمان استمرارية العمل داخل المؤسسات العمومية والخاصة.