
مشروع قانون جديد يعيد رسم معالم المهنة الصحافية ويثير جدلًا في الأوساط الإعلامية
Heure du journal - خالد وجنا
شرعت الحكومة في تقديم مشروع قانون جديد يحمل رقم 27.25، يقضي بتعديل وتتميم النظام الأساسي للصحافيين المهنيين، في محاولة لإعادة ترتيب المشهد الإعلامي الوطني بما يراعي التحولات السريعة التي يعرفها القطاع، ويستدرك الثغرات التي أفرزها تطبيق القانون السابق. ويبدو أن المشروع الجديد يطمح إلى ضبط الممارسة المهنية وفق مقاربة قانونية أكثر وضوحًا، تمنح للصحافي موقعًا مهنيًا وقانونيًا متوازنًا داخل منظومة الإعلام.
من أبرز ما جاء به المشروع، تعديل المادة الأولى التي تهم تعريف الصحافي، حيث تم التمييز هذه المرة بشكل دقيق بين الصحافي المهني المحترف ونظيره المتدرب، مع تحديد شروط المزاولة، وخاصة منها إلزامية الاعتماد بالنسبة للمتدربين، الخاضعين بدورهم لإشراف وتأطير مهني داخل المؤسسات الصحافية طيلة فترة التمرين. وتبرز هذه الخطوة كإشارة إلى رغبة في وضع حد للتسيب المهني وفرض شروط واضحة تضمن حُسن الإعداد والتكوين قبل الانتقال إلى صفة الصحافي الرسمي.
وفي ما يتعلق بالبطاقة المهنية، نص المشروع ضمن المادة 12 على معايير دقيقة لمنحها وتجديدها وسحبها، حيث تم ربط الاستفادة منها بمزاولة فعلية داخل مؤسسات صحافية معترف بها، تحت إشراف المجلس الوطني للصحافة، الذي سيحتفظ بصلاحيات تنظيمية حصرية في هذا الباب. كما تضمن المشروع مقتضيات تحدد الحالات التي يفقد فيها الصحافي حقه في البطاقة، في حال الإخلال بالشروط القانونية المرتبطة بالمهنة، وذلك في مسعى لتطويق بعض حالات التسيب التي كانت تستغل البطاقة في غير محلها.
ولم يقف المشروع عند فئة الصحافيين التقليديين، بل وسّع نطاق تطبيق القانون ليشمل فئات مهنية مساندة كانت مستبعدة من التغطية القانونية، كالعاملين في مجالات قريبة من العمل الصحافي والذين تتوفر فيهم شروط مزاولة المهنة. وبهذا التوسيع، يُرتقب أن تنتهي حالة التمييز التي كانت قائمة، ويُفتح المجال أمام الاعتراف القانوني بأدوار أساسية داخل الجسم الإعلامي، ظلت لسنوات خارج التغطية القانونية.
ولعل المستجد الأبرز الذي تضمنه النص يتمثل في إدراج مادة جديدة تخص حقوق المؤلف والحقوق المجاورة، بما يضمن للصحافيين حماية إنتاجاتهم الفكرية والأدبية داخل المؤسسات، مع التنصيص على شروط واضحة لتقاسم العائدات بين الطرفين. هذه النقطة تحديدًا تعتبر من أبرز المكاسب التي تحققت للصحافيين في هذا المشروع، بعدما ظلت حقوقهم الإبداعية محل جدل ونزاعات مزمنة مع المشغلين.
أما من الناحية التقنية، فقد لجأ المشروع إلى توحيد المصطلحات القانونية المتداولة في المهنة، كما جاء في المادة 26، من أجل تجنب التأويلات المتعددة التي غالبًا ما تتسبب في خلافات داخل المؤسسات أو مع الهيئات المهنية. وقد اعتُبر هذا التعديل بمثابة خطوة ضرورية لخلق انسجام في النص وتبسيط تطبيقه على مستوى الواقع المهني.
ورغم الإشارات الإيجابية التي حملها المشروع، إلا أن النقاش المهني والنقابي لم يخلُ من مواقف منتقدة، إذ عبّر بعض الفاعلين عن تخوفاتهم من أن يتحول القانون إلى أداة لضبط القطاع أكثر من كونه ضمانة لتوسيع هامش الحرية وتعزيز الاستقلالية. في حين دعت أصوات أخرى إلى ضرورة إشراك النقابات والمهنيين في مناقشة مضامين المشروع داخل البرلمان، حتى لا يتحول الإصلاح إلى عملية فوقية تقطع مع روح التشاركية التي يُفترض أن تميز القوانين ذات الصلة بحرية التعبير والعمل الإعلامي.
وبين مؤيد يعتبر المشروع خطوة في اتجاه تحديث المنظومة القانونية للعمل الصحافي، ومعارض يراه مدخلًا لإحكام القبضة على المهنة، يظل النقاش مفتوحًا بانتظار أن تأخذ المؤسسات التشريعية بزمام المبادرة، وتُخضع النص لمداولات جدية تراعي التوازن بين التنظيم المهني والحقوق الأساسية للصحافيين.



