مشروع “طريق المياه السريعة” بين آسفي ومراكش: استثمار استراتيجي لتعزيز الأمن المائي بالمغرب
Heure du journal - خالد وجنا
مشروع “طريق المياه السريعة” بين آسفي ومراكش يعد إحدى المبادرات الكبرى التي تسعى المملكة المغربية إلى تحقيقها لمواجهة تحديات ندرة المياه وتحسين توزيعها في مختلف أنحاء البلاد. يتمحور المشروع حول إنشاء شبكة متطورة لنقل المياه، تربط محطة تحلية المياه في آسفي بمدينة مراكش، بتكلفة إجمالية تقدر بحوالي 5 مليارات درهم. هذا المشروع يعتبر جزءًا من استراتيجية شاملة تهدف إلى تعزيز الأمن المائي وتوفير حلول مبتكرة للتعامل مع تأثيرات تغير المناخ والضغط المتزايد على الموارد المائية.
تنفيذ المشروع أوكل إلى اتحاد يضم شركات مغربية رائدة، بما في ذلك “Somagec” و”SGTM”، بالإضافة إلى شركتين متخصصتين في قطاع المياه. يعكس هذا التعاون بين المؤسسات المغربية قدرة البلاد على الاعتماد على كفاءاتها الوطنية في إنجاز مشاريع استراتيجية بهذا الحجم. هذه الخطوة تشجع الثقة في الإمكانيات التقنية والبشرية المغربية وتعزز من مكانة البلاد كرائد إقليمي في مجال البنية التحتية المائية.
المشروع يهدف إلى تحقيق أكثر من مجرد تحسين الإمدادات المائية. إنه جزء من رؤية طموحة تسعى إلى تحقيق التنمية المستدامة وتعزيز العدالة المائية بين المناطق الساحلية، التي تتمتع بموارد مائية أفضل، والمناطق الداخلية التي تعاني من شح المياه. يعد توفير المياه بشكل مستدام عاملًا أساسيًا لدعم الزراعة وتحسين الظروف المعيشية للسكان، خاصة في مدينة مراكش التي تشهد نموًا سكانيًا متزايدًا وطلبًا متزايدًا على الموارد المائية.
وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، أحمد البواري، أكد خلال جلسة بمجلس المستشارين أن مشروع “طريق المياه السريعة” ليس مجرد مشروع منعزل، بل هو جزء من خطة أوسع لتوسيع شبكة “الطرق السيارة للماء”. تهدف هذه الخطة إلى ربط المحطات الكبرى لتحلية المياه بمختلف مناطق المملكة، مما يمكن من تحسين توزيع المياه وضمان استدامتها. ووفقًا للوزير، يمثل المشروع خطوة محورية ضمن رؤية الحكومة لمواجهة الأزمات المائية الناتجة عن التغيرات المناخية التي تضرب البلاد والمنطقة بشكل عام.
المغرب يعاني من تراجع ملحوظ في موارده المائية بسبب عوامل متعددة، منها انخفاض معدلات التساقطات المطرية وارتفاع درجات الحرارة وزيادة الطلب على المياه في القطاعات الزراعية والصناعية. هذه العوامل مجتمعة دفعت الحكومة إلى اعتماد حلول مبتكرة مثل تقنيات تحلية المياه ونقلها على مسافات طويلة، كما هو الحال في مشروع آسفي-مراكش.
ورغم أهمية المشروع وطموحه، فإنه يواجه تحديات تتعلق بتوفير التمويل اللازم وضمان الالتزام بالجداول الزمنية المحددة. ومع ذلك، يبدو أن الحكومة مصممة على التغلب على هذه التحديات بفضل الدعم الفني والتقني الذي تقدمه الشركات المغربية، بالإضافة إلى الدعم المالي من المؤسسات الوطنية والدولية المهتمة بقضايا المياه والتنمية المستدامة.
على المدى الطويل، من المتوقع أن يكون للمشروع تأثير إيجابي كبير على سكان المناطق المستفيدة. تحسين إمدادات المياه سيعزز من جودة الحياة للسكان، خاصة في مراكش والمناطق المجاورة. كما أنه سيسهم في زيادة الإنتاجية الزراعية وتطوير البنية التحتية، مما سيدعم الاقتصاد المحلي ويخلق فرص عمل جديدة في قطاعات متعددة.
مشروع “طريق المياه السريعة” يمثل التزام المغرب بمواجهة أزماته البيئية من خلال الابتكار والتخطيط طويل الأمد. إنه يضع نموذجًا للدول الأخرى في المنطقة للتعامل مع تحديات ندرة المياه بطريقة مستدامة وشاملة. هذا المشروع ليس مجرد استثمار في البنية التحتية، بل هو استثمار في مستقبل البلاد وسكانها. رؤية المشروع تتجاوز أبعاده التقنية لتشمل بناء مجتمع أكثر توازنًا واستدامة، يعكس التزام المغرب بمسؤولياته الوطنية والدولية تجاه التغيرات المناخية والحفاظ على الموارد الطبيعية للأجيال القادمة.