دولي

مخاوف أوروبية من احتمال نقل القاعدة العسكرية الأمريكية من إسبانيا إلى المغرب

أثار تقرير نشرته صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية جدلاً واسعاً داخل الأوساط السياسية والعسكرية الأوروبية بعد أن أعاد إلى الواجهة احتمال نقل القاعدة العسكرية الأمريكية البحرية “روتا” من إسبانيا إلى المغرب. هذا السيناريو، الذي طُرح أول مرة سنة 2020، عاد اليوم ليكتسب زخماً جديداً في ظل التحولات المتسارعة داخل حلف شمال الأطلسي، خاصة مع تصاعد التوترات بين واشنطن وعدد من حلفائها الأوروبيين، واحتمال عودة دونالد ترامب إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة.

القلق الأوروبي ينبع أساساً من تخوفات متزايدة من تقليص الوجود العسكري الأمريكي التقليدي في أوروبا، إذا ما قررت واشنطن فرض مزيد من الضغوط على الحلفاء الأوروبيين لتحمل عبء الدفاع المشترك. وضمن هذا السياق، يبدو أن المغرب يبرز كبديل استراتيجي محتمل، بالنظر إلى موقعه الجغرافي المميز وقربه من مضيق جبل طارق، إضافة إلى تزايد التعاون العسكري بين الرباط وواشنطن خلال السنوات الأخيرة.

القاعدة البحرية “روتا”، التي تضم حوالي 2800 جندي أمريكي وخمس مدمرات، إلى جانب منشآت جوية متقدمة، تُعد اليوم من أهم النقاط العسكرية الأمريكية في أوروبا. البنتاغون يعتبرها جزءاً حيوياً من منظومة الدرع الصاروخي لحلف الناتو، كما أنها تلعب دوراً محورياً في العمليات الأمريكية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. غير أن بعض المسؤولين والخبراء في السياسة الدفاعية يرون أن العوامل الجيوسياسية المتغيرة قد تجعل استمرار هذا الوجود الأمريكي في إسبانيا أمراً غير مضمون على المدى المتوسط.

من بين الأسباب التي تدفع واشنطن إلى التفكير في بدائل، تزايد العلاقات بين الحكومة الإسبانية الحالية والصين، بالإضافة إلى المواقف السياسية لرئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، الذي لم يتردد في انتقاد عدد من السياسات الأمريكية، خصوصاً تلك المرتبطة بالقضية الفلسطينية والوضع في غزة. هذه المعطيات قد تُسهم في إعادة تقييم موقع القاعدة وتغذية الرغبة الأمريكية في البحث عن بيئة أكثر انسجاماً مع مصالحها الاستراتيجية.

المغرب من جهته، يبدو مستعداً لاحتضان مثل هذا النوع من التمركز العسكري، خاصة وأنه يراكم تجارب طويلة في التعاون الأمني والاستخباراتي والعسكري مع الولايات المتحدة، ما يجعل منه شريكاً موثوقاً في أعين العديد من صناع القرار في البنتاغون. الموقع الجغرافي للمملكة لا يمنحها فقط أفضلية استراتيجية على مستوى مراقبة الممرات البحرية الدولية، بل يتيح أيضاً فرصاً لوجستية وعملانية واسعة تُمكّن من التعامل السريع مع بؤر التوتر في المنطقة.

كل هذه المؤشرات تضع المغرب في قلب نقاش استراتيجي عالمي حول إعادة انتشار القوات الأمريكية خارج أوروبا، في وقت لم تعد فيه التحالفات القديمة محصنة من التآكل، ولا المصالح ثابتة في عالم يزداد تقلباً.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى