في سابقة تاريخية … ساركوزي يبدأ ارتداء سوار مراقبة إلكتروني بعد إدانته بالفساد

heure du journal

في سابقة تاريخية، بدأ الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي، يوم الجمعة 7 فبراير، تنفيذ عقوبة السجن لمدة عام واحد تحت الإقامة الجبرية والمراقبة الإلكترونية، بعد تثبيت سوار إلكتروني على كاحله. جاء ذلك عقب إدانته النهائية في 18 ديسمبر الماضي في القضية المعروفة إعلاميًا بـ”بيسموث”، حيث أُدين بتهم الفساد واستغلال النفوذ.

تعود جذور هذه القضية إلى عام 2014، عندما كان القضاء الفرنسي يحقق في مزاعم تمويل ليبي غير قانوني لحملة ساركوزي الرئاسية لعام 2007. خلال تلك التحقيقات، اكتشف المحققون أن ساركوزي ومحاميه، تييري هيرتزوغ، كانا يستخدمان خطًا هاتفيًا سريًا مسجلًا باسم مستعار “بول بيسموث” للتواصل بسرية. من خلال التنصت على هذه المكالمات، تم الكشف عن محادثات تشير إلى أن ساركوزي سعى للحصول على معلومات سرية من القاضي جيلبير أزيبيرت، الذي كان يشغل منصبًا رفيعًا في محكمة النقض الفرنسية، مقابل وعد بدعم ترشيحه لمنصب مرموق في موناكو.

في مارس 2021، أُدين ساركوزي بالسجن لمدة ثلاث سنوات، مع عام واحد نافذ، بتهم الفساد واستغلال النفوذ. تم تأييد هذا الحكم في محكمة الاستئناف في مايو 2023، مما جعله أول رئيس فرنسي يُحكم عليه بالسجن النافذ في العصر الحديث. وفي ديسمبر 2024، رفضت محكمة النقض الفرنسية الطعن المقدم من ساركوزي، مما جعل الحكم نهائيًا وملزمًا.

بموجب شروط العقوبة، يُسمح لساركوزي بمغادرة منزله يوميًا من الساعة 8 صباحًا حتى 8 مساءً، مع تمديد حتى الساعة 9:30 مساءً في أيام محددة لحضور جلسات محاكمته في قضايا أخرى، مثل قضية التمويل الليبي المزعوم لحملته الانتخابية. بالإضافة إلى ذلك، قرر ساركوزي التخلي عن جميع التزاماته الدولية ومهامه التمثيلية كرئيس سابق، بما في ذلك حضور المناسبات الرسمية مثل احتفالات العيد الوطني في 14 يوليو.

على الرغم من بلوغه سن السبعين في يناير 2025، وهو ما يمنحه الحق في طلب الإفراج المشروط، اختار ساركوزي عدم تقديم هذا الطلب لتجنب أي سوء فهم أو جدل عام. ومع ذلك، يظل بإمكانه السفر إلى الخارج لأغراض مهنية، بشرط الحصول على موافقة قاضي تنفيذ العقوبات.

تُعد هذه التطورات غير مسبوقة في التاريخ الفرنسي، حيث لم يسبق أن خضع رئيس سابق لمثل هذه العقوبة. تعكس هذه القضية التزام القضاء الفرنسي بمحاسبة الشخصيات العامة، بغض النظر عن مناصبهم السابقة، وتعزز مبدأ سيادة القانون.

بالإضافة إلى قضية “بيسموث”، يواجه ساركوزي تحديات قانونية أخرى. ففي يناير 2025، من المقرر أن تبدأ محاكمته في قضية التمويل الليبي المزعوم لحملته الانتخابية لعام 2007، وهي قضية قد تحمل تداعيات خطيرة على الساحة السياسية الفرنسية.

من جانبه، أعلن ساركوزي عزمه على تقديم التماس إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، مدعيًا أن حقوقه قد انتُهكت خلال الإجراءات القانونية في فرنسا. ومع ذلك، أكد محاميه أن هذا الالتماس لن يعيق تنفيذ العقوبة المفروضة عليه.

تُثير هذه الأحداث تساؤلات حول مستقبل ساركوزي السياسي وتأثير هذه الإدانة على إرثه. فبينما كان يُنظر إليه سابقًا كأحد أبرز الشخصيات في السياسة الفرنسية، تأتي هذه الإدانة لتلقي بظلالها على مسيرته وتضع علامة استفهام حول دوره المستقبلي في الحياة العامة.

تعكس هذه القضية أيضًا التحديات التي تواجهها الديمقراطيات الحديثة في محاسبة قادتها السابقين والحفاظ على نزاهة المؤسسات. ففي حين أن إدانة رئيس سابق تُظهر قوة واستقلالية النظام القضائي، فإنها تفتح أيضًا نقاشًا حول التوازن بين المحاسبة واحترام المكانة الرمزية التي يحملها القادة السابقون.

في النهاية، تظل قضية نيكولا ساركوزي مثالًا بارزًا على تعقيدات العدالة والسياسة، وتُبرز أهمية الشفافية والمساءلة في الحياة العامة. ومع استمرار التحديات القانونية التي يواجهها، سيظل الرأي العام الفرنسي والدولي يراقب عن كثب تطورات هذه القضايا وتأثيرها على المشهد السياسي في فرنسا.