
دراسة تكشف اختلالات السلوك المدني بالمغرب أخطرها التحرش بالسائحات والغش التجاري والتسول وتصرفات سائقي الطاكسيات..
Heure du journal - خالد وجنا
في ظل سعي المغرب إلى تعزيز حضوره الدولي واستعداده لاحتضان كأس العالم 2030، تبرز الحاجة المُلِحّة إلى معالجة بعض السلوكيات غير المدنية التي تهدد بتقويض صورة البلاد على الساحة العالمية. فقد كشفت دراسة استطلاعية حديثة، أنجزها المركز المغربي للمواطنة تحت عنوان “السلوك المدني لدى المغاربة”، عن مؤشرات مقلقة تتعلق بتفشي ممارسات تُسيء إلى الفضاءات العامة وتمس بجمالية المدن وجودة الحياة فيها، مما قد يؤثر سلباً على الرهانات المرتبطة بالتظاهرات الكبرى، وعلى رأسها المونديال.
وتظهر الدراسة أن الغش في المعاملات التجارية يُعد من أكثر السلوكيات إثارة للقلق، حيث اعتبر 83.1% من المشاركين أنه ظاهرة واسعة الانتشار. أما التسول، خصوصاً المنظم منه والذي يستغل الأطفال في الأماكن السياحية، فقد نال حصة الأسد بنسبة 92.2% من المستجوبين الذين وصفوه بأنه شائع بشكل كبير. كما عبّر 87.7% عن انزعاجهم من تصرفات بعض حراس السيارات، في حين اعتبر 93.2% أن احتلال الملك العمومي أضحى مشهداً عادياً يخل بالنظام ويشوّه المشهد الحضري.
وتؤكد الدراسة أن الغش في القطاعات التجارية والسياحية يأتي على رأس السلوكيات التي من شأنها الإضرار بصورة المغرب خلال كأس العالم، حسب ما أفاد به 84.8% من المستجوبين، يليه رمي النفايات في الأماكن العامة بنسبة 81.7%، ثم التسول واستغلال الأطفال بـ77.0%، وغياب المراحيض العمومية النظيفة بـ73.6%. كما عبّر 73.0% عن انزعاجهم من سلوكيات سائقي سيارات الأجرة، مع الإشارة إلى انتشار مظاهر أخرى مقلقة كالتحرش والقيادة المتهورة والفوضى في الملاعب والأسواق.
وفي ما يخص النظافة، أشار 73.5% إلى عدم رضاهم عن سلوك المواطنين في الحفاظ على نظافة الأماكن العامة، بينما أكد 66.8% أن المساحات الخضراء لا تحظى بالعناية الكافية، و69.8% لاحظوا إهمال تجهيزات الفضاء العام أو تعرّضها للتخريب. أما على صعيد العلاقات الاجتماعية، فقد عبّر 52.2% عن قلقهم من طريقة تعامل المغاربة مع النساء في الشارع، و47.2% رأوا أن الفئات الهشة لا تُحظى بالاحترام، فيما أبدى 44.4% امتعاضهم من علاقات الجوار المشوبة بالتجاوزات.
وفي مجال احترام النظام، عبّر 60.7% عن عدم رضاهم عن احترام المواعيد، وأفاد 60.9% بأن قوانين السير لا تُحترم بشكل كاف، بينما اعتبر 54.8% أن سلوك المغاربة في وسائل النقل العمومي غير حضاري. كما أعرب 53.5% عن انزعاجهم من استخدام الأصوات المرتفعة في الأماكن العامة، في حين أشار 46.2% إلى ضعف ثقافة احترام الطوابير.
ورغم هذه الصورة القاتمة، تُسجَّل بوادر إيجابية من خلال المشاركة المجتمعية، حيث أفاد 54.2% من المشاركين أنهم اضطروا إلى التدخل لتصحيح سلوك غير مدني، و38.8% شاركوا في مبادرات مواطنة بانتظام. إلا أن هذه المبادرات الفردية تظل غير كافية أمام اتساع رقعة السلوكيات السلبية، ما يستدعي تضافر الجهود المؤسساتية والمجتمعية بشكل أكثر تنظيماً.
أما بشأن تقييم جهود الحكومة، فقد اعتبر 52.9% أنه لا وجود لمبادرات ملموسة لترسيخ السلوك المدني، و45.2% وصفوا الجهود بالمحدودة، في حين رأى 1.9% فقط أن هناك تدخلات فعالة. وبالنسبة لتأثير كأس العالم على السلوك المدني، أعرب 36.7% عن اعتقادهم بأن التأثير سيكون محدوداً، مقابل 22.7% يرونه فرصة لتعزيز المواطنة، بينما نفى 32.9% وجود أي تأثير مباشر.
وتُجمع آراء المشاركين على أن التربية داخل الأسرة تظل أساس السلوك المدني بنسبة 80%، تليها المدرسة بـ59.7%، ثم تفعيل القوانين بـ54.9%. كما أشارت الدراسة إلى أهمية دور الدين، الإعلام، الشفافية، والنموذج الإيجابي في ترسيخ ثقافة المواطنة.
تعكس هذه المؤشرات الحاجة إلى تعبئة جماعية واستراتيجية مندمجة تجمع بين التربية، الردع القانوني، والتأطير المجتمعي، في أفق استثمار الفرصة التي يتيحها تنظيم كأس العالم، ليس فقط من أجل تحسين صورة المغرب دولياً، بل لبناء فضاءات حضرية أكثر احتراماً ونظاماً، تُجسّد طموح البلاد نحو نموذج مجتمعي متقدم ومتوازن.