تواصل المصالح الأمنية المغربية تأكيد دورها الفاعل في التعاون الأمني الدولي عبر تنفيذ عمليات نوعية لمكافحة الجريمة العابرة للحدود. في هذا السياق، تمكنت عناصر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية من توقيف مواطنين يحملان الجنسية البولونية، يبلغان من العمر 33 و43 سنة، كانا يشكلان موضوع أمر دولي بإلقاء القبض صادر عن السلطات القضائية الأمريكية. عملية التوقيف، التي جرت بمدينة طنجة، تأتي في إطار التنسيق الوثيق بين الأجهزة الأمنية المغربية ونظيراتها الدولية، خاصة فيما يتعلق بملاحقة المطلوبين في قضايا الجريمة المنظمة.
التحريات الأولية أظهرت أن المشتبه بهما متورطان في شبكة إجرامية تنشط على المستوى الدولي في الاتجار بالمخدرات التركيبية، وتحديدًا مخدر “الفنتانيل”، وهو مادة مخدرة مصنّعة كيميائيًا تُعد من أخطر أنواع المخدرات، نظرًا لقوتها التي تفوق مفعول المورفين بعشرات المرات، وقدرتها العالية على إحداث الإدمان والتسبب في وفيات جماعية نتيجة الجرعات الزائدة. هذا المخدر، الذي أصبح يشكل تهديدًا عالميًا بسبب دوره في تفاقم أزمة الإدمان، جعل من تعقّب شبكات ترويجه أولوية لدى وكالات إنفاذ القانون في مختلف الدول، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية التي تسجل سنويًا آلاف الوفيات المرتبطة بتعاطيه.
وقد كشفت عملية تنقيط الموقوفين في قاعدة بيانات الأشخاص المطلوبين دوليًا أنهما مبحوث عنهما بموجب مذكرات توقيف صادرة عن السلطات القضائية الأمريكية، التي تتهمهما بالمشاركة في عمليات دولية لتهريب وتوزيع “الفنتانيل”. بناءً على ذلك، تم وضع المشتبه بهما تحت تدبير الحراسة النظرية في انتظار استكمال إجراءات التسليم وفقًا للقوانين الجاري بها العمل. بالموازاة مع ذلك، تم إشعار السلطات الأمريكية رسميًا بتوقيف المعنيين بالأمر، قصد إرسال ملف التسليم واستكمال المساطر القانونية المتعلقة بترحيلهما إلى الولايات المتحدة.
عملية التوقيف هذه تعكس التزام المغرب بتعزيز التعاون الأمني الدولي والمساهمة الفعالة في الجهود العالمية لمحاربة الجريمة المنظمة. فمن خلال شراكات أمنية متينة مع عدد من الدول، نجحت المصالح الأمنية المغربية في تنفيذ عمليات مماثلة استهدفت أفرادًا ينشطون في شبكات تهريب المخدرات، والاتجار بالبشر، وغسيل الأموال، والإرهاب.
ويبرز هذا التعاون الأمني الدور الريادي للمغرب في مكافحة الجريمة العابرة للحدود، حيث أصبح يُنظر إليه كشريك استراتيجي في مجال تبادل المعلومات الاستخباراتية وتنسيق العمليات الأمنية مع وكالات دولية، خاصة في ظل تنامي المخاطر الأمنية المرتبطة بالشبكات الإجرامية التي تستغل التكنولوجيا الحديثة ووسائل الاتصالات المشفرة لتهريب المخدرات والاتجار في المواد غير المشروعة.
من جهة أخرى، فإن تفكيك الشبكات المتورطة في تهريب المخدرات التركيبية، مثل “الفنتانيل”، يعكس وعي السلطات المغربية بخطورة هذه المواد، خاصة وأن تداعياتها تتجاوز البعد المحلي إلى التأثير على الأمن الصحي العالمي. فالمغرب، رغم كونه بلد عبور رئيسي للمخدرات التقليدية، يولي اهتمامًا متزايدًا للحد من انتشار المخدرات الاصطناعية التي أصبحت تشكل تحديًا حقيقيًا لأجهزة الأمن عبر العالم، نظرًا لإمكانية تصنيعها داخل مختبرات سرية، بعيدًا عن الرقابة المباشرة.
وبفضل يقظة الأجهزة الأمنية المغربية، تم خلال السنوات الأخيرة تنفيذ العديد من العمليات التي أسفرت عن توقيف أفراد مطلوبين دوليًا، وتسليمهم إلى السلطات القضائية في بلدانهم الأصلية وفقًا للاتفاقيات الدولية. هذا النجاح الأمني يعزز صورة المغرب كبلد يحترم التزاماته في مكافحة الجريمة المنظمة، ويؤكد أن التعاون الأمني الدولي بات ركيزة أساسية في التصدي للمخاطر المتزايدة التي تفرضها الشبكات الإجرامية العابرة للحدود.
في هذا السياق، يتوقع أن تستمر الأجهزة الأمنية المغربية في تطوير آلياتها لملاحقة المشتبه بهم دوليًا، عبر تبادل المعلومات الاستخباراتية، وتعزيز تقنيات التحليل الجنائي، واستخدام الذكاء الاصطناعي في تتبع الأنشطة غير المشروعة. فمع تزايد تعقيدات الجريمة المنظمة، أضحى التعاون بين الدول أمرًا ضروريًا لضمان الأمن والاستقرار، وهو النهج الذي يؤكد المغرب التزامه به من خلال مساهماته الفعالة في عمليات التوقيف والتسليم وفق المعايير القانونية المعتمدة دوليًا.