
عادت الجزائر إلى توظيف أجندتها الدبلوماسية من أجل محاولة التأثير على مواقف الدول الأوروبية إزاء قضية الصحراء المغربية، وذلك من خلال إدراج النزاع الإقليمي في صلب المشاورات السياسية الثنائية مع بلجيكا، خلال اللقاء الذي جمع الأمين العام لوزارة الشؤون الخارجية الجزائرية، لوناس مقرمان، بنظيرته البلجيكية ثيودورا جينسيس، بالعاصمة الجزائرية. ورغم تعدد القضايا المطروحة، مثل تطورات الوضع في فلسطين ومنطقة الساحل، حرصت الجزائر على إقحام ملف الصحراء ضمن النقاط المدرجة، في خطوة اعتبرها متابعون محاولة بائسة للتشويش على الدينامية المتصاعدة التي تشهدها المبادرة المغربية للحكم الذاتي على الساحة الدولية.
البيان الصادر عن الخارجية الجزائرية تفادى الإشارة إلى أي موقف واضح عبّرت عنه بلجيكا خلال هذه المباحثات، وهو ما فسّره مراقبون بتحفظ بروكسيل أو تمسكها بالموقف الأوروبي الرسمي، الداعم لجهود الأمم المتحدة كإطار وحيد لتسوية النزاع، والرافض للانحياز إلى الأطروحات الانفصالية التي تروج لها الجزائر عبر دعمها العلني لجبهة البوليساريو. ويأتي هذا في سياق يعرف تزايد الدعم الأوروبي والدولي لمبادرة الحكم الذاتي، التي طرحتها المملكة المغربية سنة 2007 كحل سياسي واقعي وقابل للتطبيق، ويحظى بمساندة مجموعة من الدول المؤثرة في موازين القرار الدولي، منها الولايات المتحدة وإسبانيا وألمانيا.
وفي هذا الصدد، يرى عدد من المحللين أن التحركات الجزائرية الأخيرة تعكس حالة من القلق المتصاعد داخل المؤسسة الدبلوماسية الجزائرية، التي لم تستوعب بعد حجم التراجع الذي تعرفه أطروحة الانفصال على المستوى الدولي. عبد الوهاب الكاين، رئيس منظمة “أفريكا ووتش”، اعتبر أن الخارجية الجزائرية دأبت على استغلال اللقاءات الثنائية والمنابر الدولية لإثارة الغموض حول قضية الصحراء، في محاولة لإضعاف الموقع التفاوضي للمغرب، وخلق انطباع بوجود خلافات حول مشروعية مطالب المملكة. وأوضح أن الإصرار الجزائري على تصوير النزاع كقضية تصفية استعمار، رغم وضوح المعطيات القانونية والشرعية الدولية، يكشف حجم التوجس والارتباك الذي يطبع سلوك النظام الجزائري، بعد النجاحات التي راكمها المغرب في توسيع شبكة شراكاته الإقليمية والدولية، وإقناع الفاعلين الدوليين بمبادرة الحكم الذاتي كحل عملي لإنهاء هذا النزاع المفتعل.
من جانبه، يرى الدكتور داداي بيبوط، الباحث المتخصص في التاريخ الحديث والمعاصر، أن الجزائر تحاول استغلال كل فرصة دبلوماسية ممكنة لإعادة إحياء أطروحة متآكلة، في وقت تعيش فيه علاقاتها توترا مع العديد من الشركاء الأوروبيين، لا سيما فرنسا وإسبانيا، على خلفية مواقفهما الداعمة للوحدة الترابية للمملكة. واعتبر أن إدراج ملف الصحراء في محادثات لا علاقة لها بالسياق الإقليمي للنزاع يعكس رغبة الجزائر في التشويش على مسار العلاقات المغربية الأوروبية، في وقت يتعزز فيه موقع الرباط كشريك موثوق في قضايا الأمن والهجرة والتعاون الاقتصادي. وشدد بيبوط على أن هذا السلوك لا يخدم سوى تسويق خطاب عدائي يغيب عنه المنطق الواقعي، في ظل تزايد قناعة المجتمع الدولي بأن المبادرة المغربية هي السبيل الوحيد للخروج من حالة الجمود، وأن المساعي الجزائرية، رغم تكرارها، لن تغيّر من مواقف الدول الأوروبية التي باتت تنظر إلى المغرب كفاعل محوري في استقرار المنطقة.
في ظل هذه التطورات، يبرز إدراج الجزائر لملف الصحراء ضمن مشاوراتها مع بلجيكا كتحرك دبلوماسي معزول، لا يرقى إلى مستوى التأثير على المسار السياسي الدولي، ولا يعكس سوى استمرار النظام الجزائري في سياسة الهروب إلى الأمام، عبر تصدير أزماته الداخلية وإعادة تدوير خطابات فقدت بريقها في المحافل الجيوسياسية الراهنة.