
الاختراقات المعلوماتية في المغرب: سيادة رقمية مهددة وعقلية رسمية متأخرة
Heure du journal - خالد وجنا
في عالم اليوم، حيث أصبحت الرقمنة جزءاً لا يتجزأ من بنية الدول الحديثة، يعيش المغرب مفارقة مؤلمة بين طموحاته في التحول الرقمي وضعف مناعته السيبرانية. ما وقع خلال الأشهر الأخيرة من اختراقات استهدفت أنظمة معلوماتية حكومية يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن هناك خللاً عميقاً في كيفية فهم الدولة المغربية لموضوع الأمن الرقمي. الأمر ليس فقط مسألة تقنية ولا مجرد هفوات عرضية، بل هو انعكاس لثقافة مؤسساتية مهترئة لا تواكب حجم التحديات الحقيقية التي يفرضها العصر.
المقلق أن ما نراه من تعاطي الحكومة مع هذه الهجمات يعكس استهتاراً واضحاً، وكأن الأمر لا يرقى ليكون أولوية قصوى. بعض المسؤولين لا زالوا يتعاملون مع الرقمنة كديكور إداري يهدف إلى تسريع الإجراءات، متجاهلين أن كل خدمة رقمية هي باب مفتوح يمكن أن يلجه المخترقون ما لم يتم تحصينه بشكل دائم ويومي. لا توجد في المغرب حتى الآن سياسة وطنية واضحة ومتكاملة للأمن السيبراني، بل هناك تحركات مجزأة ومتأخرة وغير قادرة على مواجهة حجم الهجمات التي أصبحت معقدة ومدعومة أحياناً من أطراف خارجية لها أهداف استراتيجية تتجاوز مجرد الاختراق التقني إلى استهداف سمعة وسيادة الدولة.
الميزانيات التي تصرف على أنظمة الحماية تبدو في الظاهر ضخمة لكنها في العمق تذهب في اتجاه شراء برمجيات وأجهزة متطورة غالباً ما يتم اقتناؤها كـ”فيترينة” إدارية دون أن يصاحبها استثمار حقيقي في تكوين العنصر البشري أو تطوير بيئة عمل قادرة على اكتشاف الخروقات بشكل استباقي. الحقيقة التي يصعب تجاهلها هي أن الدولة المغربية تهمّش الكفاءات المحلية في مجال الأمن السيبراني ولا توفر لها المناخ المهني المناسب، ما يدفع العديد من العقول المغربية اللامعة إلى الهجرة نحو الخارج، حيث يتم الاعتراف بهم وتقدير خبراتهم بشكل أفضل بكثير مما يجدونه في بلدهم.
واحدة من أخطر النقاط التي تفضح هشاشة المنظومة هي غياب الشفافية في التعامل مع حوادث الاختراق. في كل مرة يتم تداول خبر عن هجوم سيبراني على مؤسسة حكومية، يكون الرد الرسمي إما بالصمت المطبق أو بإصدار بلاغ مقتضب يتجاهل عمق المشكل ولا يعكس حقيقة ما وقع. هذا الغموض لا يخدم أحداً، بل يغذي الشكوك لدى المواطنين ويؤسس لفقدان الثقة في قدرة الدولة على حماية معطياتهم وبياناتهم الشخصية. في الدول التي تحترم مواطنيها، يتم التعامل مع هذه الحوادث بمنطق الشفافية الكاملة: يتم الإعلان عن حجم الأضرار، ونوع البيانات المسربة، والإجراءات التصحيحية التي تم اتخاذها حتى لا تتكرر نفس الأخطاء.
من المؤسف أن الدولة المغربية لم تستوعب بعد أن الأمن الرقمي أصبح جزءاً من السيادة الوطنية مثل حماية الحدود البرية والبحرية. عندما تكون أنظمتك الحكومية قابلة للاختراق بسهولة، فأنت تقدم مفاتيح مؤسساتك السيادية لمن يتربص بك سواء كان فرداً أو جماعة أو حتى دولة معادية. وهذا ليس تحليلاً مبالغاً فيه، بل حقيقة يعرفها أي متخصص في المجال. المغرب مطالب اليوم بالانتقال من مرحلة التظاهر بتبني الرقمنة إلى مرحلة تبنيها بشكل حقيقي مع ما يتطلبه ذلك من حماية جدية واستثمار فعلي في الأمن السيبراني كأولوية وطنية وليس كخدمة جانبية. إذا لم يتم اتخاذ إجراءات حقيقية وعاجلة، فإن القادم قد يكون أخطر مما نتصور، ليس فقط على مستوى اختراق البيانات، بل على مستوى زعزعة ثقة المواطن في دولته وفي مؤسساتها الرقمية. والأسوأ من كل ذلك، أن يتحول الفضاء الرقمي الوطني إلى حديقة مفتوحة لكل من يريد العبث بها.