وفاة أحمد البوخاري، العميل السابق في الاستخبارات المغربية والشاهد على قضية بن بركة

Heure du journal

توفي أحمد البوخاري، أحد الأسماء البارزة في جهاز الاستخبارات المغربي، يوم الأحد 16 فبراير 2025 عن عمر ناهز 87 عامًا، بعد مسيرة طويلة امتدت لعقود، لعب خلالها أدوارًا محورية في تاريخ الأمن والاستخبارات بالمغرب. ظل اسمه مرتبطًا بملفات حساسة، لا سيما قضية المهدي بن بركة، حيث كان أحد الشهود القلائل الذين أدلوا بشهادات مثيرة للجدل حول ظروف اختفائه. ولأنه كان يعمل في جهاز CAB-1، أول وحدة استخباراتية مغربية متخصصة في مكافحة النشاطات التخريبية، فقد كان قريبًا من مراكز القرار الأمني في فترة الستينيات والسبعينيات، وهي المرحلة التي شهدت اضطرابات سياسية كبيرة.

ولد أحمد البوخاري عام 1938 في مدينة آسفي، وسط أسرة تنحدر من مكناس. تلقى تعليمه الأولي في مدينته قبل أن يلتحق بجهاز الأمن الوطني في السنوات الأولى بعد الاستقلال. أظهر كفاءة أهلته للانضمام إلى جهاز الاستخبارات، حيث تدرج في المناصب إلى أن أصبح أحد العناصر الفاعلة داخل CAB-1، الذي كان مكلفًا برصد وتتبع التهديدات الداخلية، خاصة الأنشطة السياسية المعارضة للنظام. خلال تلك الفترة، كان المغرب يعيش توترات سياسية حادة، تجلت في المواجهات بين النظام والحركات اليسارية، فضلاً عن الصراع مع المعارضة التي كانت تنشط داخل البلاد وخارجها. في هذا السياق، برز دور البوخاري في متابعة هذه التحركات، وكان مطلعًا على العديد من الملفات السرية التي لم تكن متاحة للعامة.

بعد تقاعده، أحدث البوخاري ضجة إعلامية كبيرة عندما بدأ في كشف ما أسماه “حقائق تاريخية” حول قضايا أمنية وسياسية ظلت لسنوات طي الكتمان. كان أكثر ملف شائك تطرق إليه هو قضية اختفاء المعارض المهدي بن بركة عام 1965، حيث زعم أنه كان شاهداً على حيثيات العملية التي أدت إلى اختطافه وتصفيته. في تصريحاته، أكد أن العملية لم تكن مغربية بحتة، بل شاركت فيها أجهزة استخبارات أجنبية. ومع ذلك، فإن العديد من هذه الشهادات قوبلت بالتشكيك، حيث اعتبر البعض أن البوخاري ربما كان يسعى إلى تسليط الضوء على نفسه من خلال تقديم روايات غير مدعومة بأدلة دامغة.

لم تقتصر اعترافاته على التصريحات الإعلامية، بل عمد إلى توثيق مذكراته في كتابين لاقيا صدى واسعًا: “السر” (Le Secret) و**”أسباب الدولة” (Raisons d’État)**، حيث تناول فيهما تفاصيل عن كيفية عمل جهاز CAB-1 وعلاقته بالأحداث السياسية التي شهدها المغرب بعد الاستقلال. واستمر البوخاري في الكشف عن تفاصيل أخرى عبر قناته على يوتيوب، حيث قام على مدى السنوات الأخيرة بنشر 466 حلقة، ناقش خلالها قضايا أمنية وسياسية من منظور شخصي، متحدثًا عن تجاربه داخل الجهاز الأمني، وعن وقائع كانت مجهولة لدى الكثيرين. اللافت أن آخر حلقة له تم بثها يوم الجمعة 14 فبراير، أي قبل وفاته بيومين فقط، مما أثار تساؤلات حول ما إذا كان ينوي نشر مزيد من المعلومات.

إلى جانب الجدل الذي صاحب مسيرته الإعلامية، تعرض البوخاري لانتقادات حادة، خاصة من قبل بعض الشخصيات الأمنية والسياسية التي رأت في تصريحاته تضخيمًا للأحداث أو محاولة لإعادة كتابة التاريخ وفق رؤيته الخاصة. البعض اعتبره مجرد موظف سابق يسعى للفت الأنظار، بينما رأى آخرون أن شهاداته كانت بمثابة كشف للحقيقة، حتى وإن كانت تفتقد لبعض التفاصيل المؤكدة. ورغم كل ما قيل عنه، لا يمكن إنكار أنه كان شاهدًا على واحدة من أكثر الفترات حساسية في تاريخ المغرب المعاصر، وأن وفاته تمثل خسارة لشخص كان يمتلك أسرارًا قد لا يكشف عنها أحد بعده.

بوفاة أحمد البوخاري، ينطوي فصل آخر من فصول تاريخ المغرب الأمني والسياسي. وبينما يرى البعض أن ما قدمه من شهادات كان محاولة لإنصاف التاريخ، يرى آخرون أنه حمل معه إلى القبر أسرارًا لم تُكشف بعد. وفي غياب وثائق رسمية تؤكد أو تنفي أقواله، سيبقى اسمه مثار جدل لسنوات قادمة، خاصة بين الباحثين في تاريخ المغرب السياسي والأمني.