نزار بركة: البطالة وغلاء المعيشة يغذيان أزمة الثقة لدى الشباب والمضاربون سبب رئيسي في ارتفاع الأسعار

Heure du journal - خالد وجنا

في خضم التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي يشهدها المغرب، يُعتبر الوضع الحالي للشباب من أكبر التحديات التي تواجه الحكومة والمجتمع على حد سواء. نزار بركة، الأمين العام لحزب الاستقلال، أبرز في كلمته الأخيرة خلال المهرجان الخطابي الوطني الذي نظمه الحزب بمناسبة تخليد الذكرى 81 لتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال، حجم الأزمة التي يعيشها الشباب المغربي اليوم بسبب عدة عوامل متشابكة. حيث أكد أن هذه المخاوف التي يعيشها الشباب ليست إلا انعكاسًا للواقع الصعب الذي يواجهه معظمهم، ويعتبرها مبررة ومشروعة في ظل ما يمر به البلد من أزمات اقتصادية، اجتماعية وسياسية تضر بمستقبلهم.

 

أحد أبرز القضايا التي تناولها بركة هي البطالة التي تشكل الهم الأكبر للشباب المغربي. حيث أشار إلى الأرقام المقلقة التي تعكس تفاقم هذه الظاهرة في المغرب. فقد وصلت نسبة البطالة إلى 13.4% على المستوى الوطني، لكن ما يثير القلق بشكل أكبر هو النسبة المرتفعة بين الشباب الذين لا يزالون في مرحلة البحث عن عمل. بحسب بركة، فإن نسبة البطالة بين الشباب تصل إلى 39.5%، وهي نسبة كبيرة تؤكد عمق المشكلة. كما تزداد هذه المعاناة في صفوف النساء حيث تصل نسبة البطالة إلى 29.6%. ورغم أن الحكومة تتخذ عدة إجراءات من أجل الحد من هذه الظاهرة، مثل برامج تدريبية وتسهيلات للتمويل الذاتي، إلا أن النتيجة ما تزال ضئيلة. فقد أكد بركة أن الحلول المطروحة غير كافية لمواكبة العدد الهائل من العاطلين عن العمل في البلاد.

 

إلى جانب البطالة، لفت بركة إلى تحديات أخرى مرتبطة بشكل رئيسي بتكلفة الحياة المرتفعة، والتي تؤثر بشكل كبير على الطبقة الوسطى. ففي السنوات الأخيرة، شهد المغرب ارتفاعًا ملحوظًا في أسعار المواد الأساسية مثل الحبوب، الزيت، واللحوم، وهو ما يُثقل كاهل الأسر المغربية. ورغم الجهود الحكومية الرامية إلى تقديم الدعم الاجتماعي عبر مجموعة من التدابير، بما في ذلك فتح مجالات استيراد اللحوم ورفع الأجور في بعض القطاعات، إلا أن هذه الحلول لم تنجح في تحقيق استقرار ملموس في أسعار المواد الغذائية. كما أن الحكومة عملت على دعم 4 ملايين أسرة من خلال تقديم دعم مباشر، بالإضافة إلى التوسيع في تطبيق التغطية الصحية، إلا أن هذه المبادرات لا تبدو كافية لسد الثغرات التي تسببت في تفشي الفقر وتآكل الطبقة الوسطى.

 

لكن الأزمة الاقتصادية ليست الوحيدة التي تشكل مصدر قلق. فقد أشار بركة إلى الأثر الكبير الذي تخلفه التحولات التكنولوجية، ولا سيما الرقمنة والذكاء الاصطناعي، على سوق العمل. فبالرغم من الفرص العديدة التي تتيحها هذه التقنيات الجديدة، إلا أن الشباب المغربي يواجه تحديات كبيرة في التكيف معها. خاصة مع بروز الذكاء الاصطناعي، الذي من المتوقع أن يهدد العديد من المهن التقليدية ويزيد من التباين بين الدول المتقدمة والدول النامية في ما يخص فرص العمل. كما أن عدم تأهيل عدد كبير من الشباب لهذه التغيرات التكنولوجية يعمق الهوة بين فئات المجتمع المختلفة. وبركة، في هذا السياق، يعتبر أن المغرب بحاجة إلى جهد كبير للاستثمار في التعليم والتدريب على المهارات الجديدة لضمان عدم تهميش شريحة واسعة من الشباب.

 

علاوة على ذلك، سلط الأمين العام لحزب الاستقلال الضوء على الأثر السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي في نشر الأخبار المغلوطة والمعلومات المضللة، مما يساهم في زيادة حالة القلق لدى الشباب. ففي عالم يتسم بسرعة انتقال المعلومات، تجد العديد من المعلومات الكاذبة طريقها إلى منصات التواصل، مما يؤدي إلى إرباك الشباب وتأثيره على قراراتهم اليومية. كما أن ظاهرة الترويج للقصص الفردية الناجحة التي لا تقوم على أسس أخلاقية قد تكون محط اهتمام البعض، لكنها تُغذي السلوكيات السلبية وتضعف من مفاهيم العمل الجاد والمستدام. وبركة اعتبر أن النجاح يجب أن يكون مبنيًا على القيم الوطنية والأخلاقية، وهو ما ينبغي أن يعمل من أجله حزب الاستقلال.

 

أما فيما يخص القضايا الاقتصادية، فقد شدد بركة على ضرورة مواجهة جشع المضاربين، الذين يتحملون جزءًا كبيرًا من مسؤولية ارتفاع أسعار المواد الغذائية. ورغم أن الحكومة فتحت المجال لاستيراد اللحوم ووفرت دعمًا ماديًا لمربي الماشية، إلا أن النتائج لم تكن كافية لمواجهة جشع التجار. وأضاف بركة أن من الضروري تقوية سلسلة الإنتاج المحلي من أجل زيادة الدعم للقطاع الفلاحي وتحسين الإنتاج الوطني. ويعتبر أن دعم الفلاحين يمكن أن يكون أحد الحلول الرئيسية لتحسين الوضع الاقتصادي، وبالتالي الحد من الأسعار المرتفعة.

 

وفي النهاية، أشار نزار بركة إلى أن هذه الظروف تزيد من إحساس الشباب المغربي بالإحباط، ما يؤدي إلى غياب الثقة في المؤسسات المنتخبة. وأضاف أن هذه الأزمة في الثقة لا تقتصر على القضايا الاقتصادية فقط، بل تشمل أيضًا جوانب اجتماعية وسياسية أوسع. ففي هذا السياق، يرى بركة أن دور حزب الاستقلال يتمثل في العمل على استرجاع ثقة الشباب في المؤسسات، وهو ما يتطلب منه العمل الجاد على إيجاد حلول واقعية لمشاكل البطالة، غلاء المعيشة، والتحولات التكنولوجية. وأكد أن الحزب سيظل ملتزمًا بمبادئه في الدفاع عن القيم الوطنية والعمل على تحسين وضع الشباب المغربي، موجهًا دعوة لجميع الأطراف المعنية من أجل تعزيز التكامل الاجتماعي والتضامن الوطني لمواجهة التحديات المستقبلية.