
صندوق النقد الدولي يحث المغرب على تبني إصلاحات مالية لمواجهة التضخم والديون
يواجه الاقتصاد المغربي تحولات حاسمة في ظل توصيات صندوق النقد الدولي التي دعت إلى تبني سياسات مالية جديدة تهدف إلى خفض التضخم وتقليص الديون، في وقت أعلن فيه بنك المغرب عن انخفاض معدل التضخم إلى 0.9% خلال عام 2024 مقارنة بنسبة 6.1% في العام السابق. ويُعزى هذا التحسن إلى انخفاض أسعار السلع المستوردة واستقرار أسواق المواد الغذائية، إلا أن الصندوق يرى ضرورة اعتماد إطار عمل يستهدف التضخم لضمان استدامة هذا الانخفاض وتجنب تقلبات الأسعار مستقبلًا.
يأتي هذا التطور في سياق جهود الحكومة المغربية لإصلاح نظامها المالي وتوسيع القاعدة الضريبية، وهو ما يساعد في تحقيق عوائد إضافية وتخفيف الاعتماد على الديون في تمويل النفقات العامة. وقد أكد صندوق النقد الدولي على أهمية تقليص التحويلات المالية للمشروعات المملوكة للدولة كجزء من عملية إعادة هيكلة الإنفاق العام، مما يعكس توجهًا إصلاحيًا يهدف إلى تحسين كفاءة استخدام الموارد المالية. وقد ساعدت هذه الإصلاحات الضريبية التي اتبعتها الحكومة في تحقيق عوائد أعلى من المتوقع، حيث انخفض عجز الميزانية إلى 3.9% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024، مقارنة بنسبة 4.4% في العام السابق، مع نمو الإيرادات الضريبية بنسبة 15.2%. هذا التراجع في العجز المالي يشكل خطوة إيجابية نحو استقرار الوضع المالي، لكنه يبرز أيضًا الحاجة الماسة إلى تسريع جهود تقليص الدين العام وإعادته إلى مستويات أكثر تحفظًا كما كان الحال قبل تفشي جائحة كورونا.
من جهة أخرى، توقع صندوق النقد الدولي نمو الاقتصاد المغربي بنسبة 3.9% خلال عام 2025، مقارنة بتوقعات نمو بلغت 3.2% في عام 2024، ما يعكس تفاؤلاً بالإنتعاش الاقتصادي بفضل تعافي القطاع الزراعي الذي تعرض لاضطرابات بسبب موجات الجفاف المتكررة. إلى جانب ذلك، يستمر القطاع غير الزراعي في توسيع أنشطته بدعم من الطلب المحلي القوي، مما يساهم في تعزيز الناتج المحلي الإجمالي وتحقيق معدلات نمو أفضل. وقدمت المندوبية السامية للتخطيط تقديرات لنمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3.8% لعام 2025، في حين أشار مشروع قانون المالية إلى إمكانية تحقيق نمو يصل إلى 4.6% مع معدل تضخم يقارب 2%.
على الرغم من هذه المؤشرات الإيجابية على صعيد النمو الاقتصادي والاستقرار المالي، لا يزال سوق العمل يشكل تحديًا كبيرًا للسياسات الاقتصادية في المغرب. فقد سجل معدل البطالة ارتفاعًا ملحوظًا، حيث بلغ 13.3% في عام 2024 مقارنة بنسبة 13% في العام السابق. ويعود ذلك جزئيًا إلى التأثير المباشر لفقدان الوظائف في القطاع الزراعي الذي تأثر سلبًا بموجات الجفاف، مما دفع الجهات الحكومية إلى ضرورة تبني سياسات توظيفية تهدف إلى إدماج العمالة النازحة من القطاع الزراعي في القطاعات الاقتصادية الأخرى. وأظهرت نتائج الإحصاء العام للسكان لعام 2024 ارتفاعًا كبيرًا في معدل البطالة خلال العقد الماضي، حيث انتقل من 16.2% في عام 2014 إلى 21.3% في عام 2024، مع تفاوت واضح بين المناطق الحضرية والريفية؛ إذ شهدت المناطق الريفية ارتفاعًا أكبر في معدلات البطالة مقارنة بالمدن.
ؤواجه المغرب، إذًا، تحديًا مزدوجًا يتمثل في ضرورة الحفاظ على استقرار الأسعار وتعزيز النمو الاقتصادي من جهة، ومعالجة ارتفاع معدلات البطالة وتأثيراتها الاجتماعية من جهة أخرى. وفي هذا السياق، تعتمد الحكومة المغربية على سلسلة من الإصلاحات المالية والضريبية التي تهدف إلى تحسين الأداء الاقتصادي بشكل شامل، مما يسهم في رفع مستوى الثقة لدى المستثمرين المحليين والدوليين. إن نجاح هذه الإصلاحات يعتمد على التنفيذ الدقيق والسياسات الرشيدة التي تأخذ في الاعتبار الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية على حد سواء، لضمان تحقيق توازن يضمن ازدهار الاقتصاد وتقليل الفوارق الاجتماعية.
توضح التوصيات الصادرة عن صندوق النقد الدولي خارطة طريق استراتيجية تعزز من قدرة المغرب على مواجهة التحديات الاقتصادية، مع التأكيد على ضرورة العمل على استقرار الوضع المالي وخفض الديون بما يتماشى مع الإصلاحات الهيكلية. إن تبني مثل هذه السياسات لا يسهم فقط في تحسين المؤشرات المالية والاقتصادية، بل يضمن أيضًا تعزيز فرص العمل وتحقيق نمو متوازن يستجيب للتحديات الراهنة والمستقبلية. وفي نهاية المطاف، يبقى النجاح في تحقيق هذه الأهداف مرتبطًا بمدى قدرة الحكومة على تنفيذ الإصلاحات المقررة بكفاءة وشفافية، مما يفتح آفاقًا جديدة نحو مستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا للمغرب.