في ظل التطورات الجيوسياسية والتغيرات الاقتصادية التي يشهدها قطاع الصيد البحري، تسعى روسيا إلى تعزيز وجودها في السواحل المغربية عبر اتفاقية صيد جديدة تمتد لأربع سنوات، مع إمكانية التمديد لأربع سنوات إضافية. ووفقًا لما أوردته وكالة “إنترفاكس” الروسية، فإن الاتفاق المرتقب بين موسكو والرباط يأتي لتعويض الاتفاق السابق، الذي انتهت صلاحيته في أواخر عام 2024، ويهدف إلى تمكين السفن الروسية من صيد 80 ألف طن من الأسماك سنويًا في المنطقة الاقتصادية الخالصة للمغرب.
يرتكز نشاط الصيد الروسي في المياه المغربية أساسًا على أنواع مثل السردين، السردينلا، الماكريل والأنشوفة، وهو امتداد لعمليات الصيد التي تقوم بها السفن الروسية في مناطق أخرى بالقارة الإفريقية، من بينها موريتانيا. وتأتي هذه التحركات في إطار استراتيجية موسكو لتعزيز نفوذها في قطاع الصيد البحري الإفريقي، حيث أطلقت في غشت 2024 بعثة بحثية كبرى لدراسة مخزونات الأسماك في 19 دولة إفريقية، شملت في مرحلتها الأولى المغرب، موريتانيا، غينيا وغينيا بيساو.
هذه المبادرة الروسية تتزامن مع استمرار عدم تجديد بروتوكول اتفاقية الصيد بين المغرب والاتحاد الأوروبي، والذي دخل حيز التنفيذ في يوليو 2019 وانتهت صلاحيته دون اتفاق جديد، ما يفتح المجال أمام روسيا لتوسيع حصتها في المياه المغربية. وسبق أن أبرم الجانبان في أكتوبر 2020 اتفاقًا جديدًا يعزز التعاون في مجالات البحث العلمي، تطوير تقنيات الصيد، ومعالجة الأسماك وتربية الأحياء المائية، وهو ما ينسجم مع التوجهات الاستراتيجية لكلا البلدين.
وبموجب الاتفاق الحالي، تلتزم السفن الروسية بدفع رسوم مالية محددة مقابل الحصول على حقوق الصيد، مما يعزز العائدات المالية للمغرب من هذا القطاع. كما أن توسيع التعاون ليشمل مزيدًا من الأبحاث حول المخزون السمكي قد يمنح روسيا فرصًا أكبر للحصول على حصص صيد إضافية في مناطق إفريقية أخرى، مما يعزز نفوذها الاقتصادي في المنطقة.
في سياق متصل، شهدت الاتفاقية الروسية المغربية في أكتوبر 2024 تمديدًا رسميًا حتى نهاية العام، بعد اتفاق الطرفين على ضرورة استمرار التعاون في هذا المجال. وتتمثل أهمية هذه الاتفاقيات ليس فقط في توفير الأسماك للاستهلاك الروسي، ولكن أيضًا في دعم الصناعات المرتبطة بالصيد، سواء من خلال الاستثمارات في قطاع المعالجة أو من خلال تطوير التكنولوجيا المستخدمة في استخراج الموارد البحرية.
هذه التطورات تؤكد أن البحر أصبح أحد ميادين المنافسة الاقتصادية بين القوى الدولية، حيث تسعى كل من روسيا والاتحاد الأوروبي إلى تعزيز حضورها في الأسواق الإفريقية، مستفيدة من الإمكانات الهائلة التي يوفرها الساحل الأطلسي للمغرب.