حرائق لوس أنجلوس تكبد شركات التأمين خسائر قد تصل إلى 20 مليار دولار وتفاقم أزمة التغير المناخي

Heure du journal - خالد وجنا

تشهد ولاية كاليفورنيا واحدة من أكبر الكوارث الطبيعية التي تعرضت لها في السنوات الأخيرة، حيث اجتاحت حرائق الغابات مناطق واسعة من لوس أنجلوس، متسببة في خسائر مادية فادحة وأزمات إنسانية واقتصادية غير مسبوقة. هذه الحرائق التي امتدت إلى بعضٍ من أرقى الأحياء في كاليفورنيا أثرت على آلاف المنازل والشركات، ودفعت شركات التأمين إلى رفع تقديراتها للخسائر المالية إلى أرقام صادمة. وقد أفاد محللو بنك جي بي مورغان بأن الخسائر التأمينية قد تتجاوز 20 مليار دولار، بينما أشار آخرون إلى أن الخسائر الإجمالية قد تصل إلى 50 مليار دولار إذا استمرت الحرائق في الانتشار. هذه التقديرات تضاعفت في غضون أيام قليلة، مما يعكس حجم التحديات التي يفرضها التغير المناخي على المجتمعات والبنى الاقتصادية.

 

الحرائق أدت إلى إخلاء أكثر من 100 ألف شخص من منازلهم، بينما يتعرض حوالي 15 ألف مبنى للخطر المباشر. وقد أظهرت التقارير أن المناطق المتضررة تشمل أحياء تتميز بارتفاع قيمة العقارات فيها، مثل منطقة Pacific Palisades، حيث يتجاوز متوسط سعر المنزل ثلاثة ملايين دولار. هذا الأمر يضيف أعباء مالية ضخمة على شركات التأمين، التي تواجه أصلاً صعوبات نتيجة القيود التنظيمية التي تحد من قدرتها على رفع أسعار التأمين لتغطية الخسائر المتزايدة. بعض الشركات الكبرى، مثل Allstate وState Farm، اضطرت إلى اتخاذ قرارات صعبة بوقف بيع وثائق تأمين جديدة أو عدم تجديد العقود القائمة في المناطق الأكثر عرضة للكوارث.

 

هذه الأزمة تعيد تسليط الضوء على دور التغير المناخي في تصاعد وتيرة الكوارث الطبيعية وشدتها. حرائق الغابات أصبحت أكثر تكراراً وضراوة في السنوات الأخيرة بسبب ارتفاع درجات الحرارة والجفاف المزمن، مما يضع ضغوطاً هائلة على المجتمعات المحلية وشركات التأمين والسلطات الحكومية. على سبيل المثال، حريق “Camp Fire” في عام 2018 كان يُعتبر أحد أسوأ الحرائق في تاريخ كاليفورنيا، حيث أسفر عن خسائر تأمينية بلغت 10 مليارات دولار. ومع ذلك، فإن الخسائر الحالية تبدو أكبر بكثير بسبب ارتفاع قيمة العقارات المتضررة في المناطق الحالية مقارنة بمناطق مثل مقاطعة بوت التي تضررت في 2018.

 

شركات التأمين تجد نفسها في موقف لا تحسد عليه. فمن جهة، هناك حاجة ماسة لزيادة الأسعار لتغطية التكاليف المتصاعدة، ومن جهة أخرى، تواجه معارضة شديدة من الجهات التنظيمية والسكان الذين يعانون من ارتفاع تكاليف المعيشة. وكالة التصنيف موديز أشارت إلى أن التكاليف المرتفعة للتأمين دفعت العديد من أصحاب المنازل إلى الاعتماد على خطط تأمين أقل كفاءة أو حتى التخلي عن التأمين تماماً، مما يزيد من مخاطر الانهيار المالي للأسر المتضررة.

 

في ظل هذه التحديات، لجأ العديد من السكان إلى خطة “Fair Plan” المدعومة من الدولة، التي تقدم تغطية محدودة تصل إلى ثلاثة ملايين دولار لكل عقار. ومع ذلك، فإن هذه الخطة لا تزال غير كافية لتلبية احتياجات المناطق الفاخرة مثل Pacific Palisades، حيث تقدر الأضرار الفردية بأرقام تفوق بكثير الحد الأقصى للتغطية. كما أن شركات التأمين التي تعمل خارج الإطار التنظيمي التقليدي، والمعروفة بشركات التأمين غير المعترف بها، تشهد زيادة في الطلب، رغم المخاطر المرتبطة بعدم موثوقيتها.

 

هذه الأزمة تثير تساؤلات عميقة حول قدرة المجتمع على التكيف مع التحديات المتزايدة التي يفرضها التغير المناخي. فإلى جانب الخسائر المالية المباشرة، هناك آثار اجتماعية واقتصادية طويلة الأمد تشمل النزوح الجماعي للسكان، وتدمير المجتمعات المحلية، والضغط على البنية التحتية والخدمات العامة. الحلول المؤقتة مثل زيادة أسعار التأمين أو تقديم خطط تأمين مدعومة من الدولة قد تساعد في المدى القصير، لكنها لا تعالج الجذور الحقيقية للمشكلة.

 

تتطلب هذه الأزمات استجابات شاملة تتجاوز الحلول التقليدية. من الضروري أن تستثمر الحكومات والشركات في تقنيات أكثر كفاءة لمكافحة الحرائق، وتعزيز البنية التحتية المقاومة للكوارث، وتطوير سياسات تأمين أكثر عدلاً واستدامة. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي التركيز على الجهود الدولية للحد من التغير المناخي من خلال تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة وتعزيز التعاون بين الدول لمواجهة التحديات المشتركة.

 

في النهاية، ما يحدث في كاليفورنيا ليس مجرد كارثة محلية، بل هو إنذار عالمي يعكس مدى هشاشة الأنظمة الاقتصادية والاجتماعية أمام قوى الطبيعة المتزايدة. هذه الأحداث تقدم دروساً قيمة حول الحاجة إلى استجابات جريئة وطويلة الأمد للتعامل مع المخاطر التي تواجه مستقبل البشرية.