تطور مفاجئ في محاكمة ساركوزي: دفاعه يقدم تسجيلًا مجهول المصدر لمحادثته مع القذافي

Heure du journal de

بعد جلسات متتالية في محكمة باريس، حيث تتواصل محاكمة الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي في قضية التمويل الليبي المزعوم لحملته الانتخابية عام 2007، شهدت القضية تطورًا دراماتيكيًا قد يعيد رسم مسارها. ففي خطوة غير متوقعة، أعلن فريق الدفاع عن ساركوزي أنه تلقى تسجيلًا صوتيًا لمحادثة بينه وبين الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، وهو دليل وصلهم عبر جهة مجهولة من خلال رسالة مشفرة. هذه المفاجأة جاءت في وقت حساس، حيث كانت جلسات الاستماع تزداد صعوبة بالنسبة للدفاع، وسط تكاثر الأدلة والشهادات التي تربط حملة ساركوزي بمساعدات مالية ليبية غير مشروعة.

 

أحد أبرز المستجدات التي سبقت هذا التطور كان ظهور كلود غيان، المدير السابق لحملة ساركوزي ووزير داخليته لاحقًا، أمام المحكمة. غيان حاول تبرير استئجار خزنة ضخمة خلال فترة الانتخابات، وهي خطوة أثارت العديد من التساؤلات حول محتوياتها والأموال التي أُودعت فيها. وبرغم محاولاته لشرح الأسباب، إلا أن أجوبته ظلت غامضة، مما زاد من الشكوك حول شرعية مصادر التمويل التي استخدمت لدعم حملة المرشح اليميني حينها.

 

في هذا السياق المتوتر، استغل المحامون هذا التسجيل الصوتي الجديد لمحاولة تقويض الأسس التي تقوم عليها القضية. فقد أوضح المحامي كريستوف إنغران، أحد أعضاء فريق الدفاع، أن التسجيل وصل إليهم عبر منصة “بروتون” للرسائل المشفرة، وأشار إلى أن الجهة المرسلة زعمت أن الوثيقة التي نشرتها صحيفة “ميديا بارت” عام 2012، والتي تعد إحدى الأدلة الرئيسية في القضية، ليست سوى تزوير. هذه الوثيقة المسربة، والتي تحمل توقيع موسى كوسا، رئيس المخابرات الليبية في عهد القذافي، تدعي أن ليبيا وافقت على تمويل حملة ساركوزي بمبلغ ضخم وصل إلى 50 مليون يورو.

 

لكن وفقًا لإنغران، فإن التسجيل الجديد يشير إلى أن المحادثة بين ساركوزي والقذافي كانت عادية ولم تتضمن أي ذكر مباشر لتمويل الحملة. واعتبر الدفاع أن ذلك يشكل دليلًا على أن الادعاءات حول وجود تمويل ليبي ليست سوى استنتاجات غير مؤكدة. غير أن النيابة لم تتأخر في الرد، مؤكدة أن التسجيل لا يغير من واقع القضية، إذ إن الأدلة الأخرى، بما في ذلك شهادات مسؤولين سابقين في النظام الليبي ومقربين من ساركوزي، تشير بوضوح إلى وجود تعاملات مالية مشبوهة.

 

القضية التي باتت واحدة من أكبر الفضائح السياسية في تاريخ فرنسا الحديث تعتمد على سلسلة من الوثائق والشهادات، بعضها جاء من شخصيات كانت قريبة من القذافي قبل سقوط نظامه عام 2011. ومن بين هؤلاء رجل الأعمال الفرنسي اللبناني زياد تقي الدين، الذي قدم شهادات متناقضة حول ما إذا كان قد نقل شخصيًا حقائب أموال نقدية من طرابلس إلى باريس لدعم حملة ساركوزي. كما أن هناك أدلة أخرى تتعلق بتحويلات مالية وسلوكيات مشبوهة لعدد من مساعدي ساركوزي خلال تلك الفترة، مما يعزز فرضية وجود تمويل غير قانوني.

 

ما يجعل القضية أكثر تعقيدًا هو التناقضات التي ظهرت بين تصريحات ساركوزي ودفاعه من جهة، وبين الشهادات والأدلة المقدمة من جهة أخرى. فبينما ينفي الرئيس الأسبق أي علاقة له بأي أموال ليبية، تؤكد الوثائق والتصريحات الأخرى أن هناك اتصالات مالية جرت بين الطرفين. هذا التناقض دفع الادعاء إلى الاستمرار في البحث عن أدلة أقوى، سواء من خلال مراجعة الحسابات المالية لحملة ساركوزي أو من خلال استجواب شخصيات سياسية وتجارية ذات صلة بالقضية.

 

في ظل هذه الأجواء المتوترة، يبقى السؤال المطروح: هل سيتمكن دفاع ساركوزي من استخدام التسجيل الصوتي الجديد لتغيير مسار المحاكمة، أم أن المحكمة ستعتبره مجرد محاولة لإحداث تشويش إعلامي على القضية؟ خصوصًا أن طبيعة التسجيل، وكونه وصل عبر جهة مجهولة، يثيران تساؤلات حول مدى مصداقيته وإمكانية استخدامه كدليل قانوني.

 

القضية لم تنته بعد، والجلسات المقبلة قد تحمل المزيد من المفاجآت. فمع استمرار التحقيقات واستدعاء المزيد من الشهود، يتضح أن هذه المحاكمة لن تكون سهلة لأي من الأطراف، خاصة لساركوزي، الذي يواجه خطر الإدانة في قضية قد تؤثر بشكل دائم على إرثه السياسي.