المغرب يستعيد 40 كيلومتراً من المنطقة العازلة وسط تراجع جبهة البوليساريو

Heure du journal - خالد وجنا

في تطور جديد يُبرز التحولات الميدانية والسياسية المتعلقة بنزاع الصحراء المغربية، أورد الناشط الصحراوي المعارض لجبهة البوليساريو، سعيد زروال، معطيات مثيرة كشفت عن تراجع الجبهة الانفصالية في الميدان منذ عودة المواجهات المسلحة مع القوات المغربية في نوفمبر 2020. زروال، الذي نشر هذه المعلومات على حسابه في موقع فيسبوك، أشار إلى أن البوليساريو تراجعت عن مسافة تُقدّر بـ 40 كيلومتراً داخل المنطقة العازلة التي كانت تُسميها “الأراضي المحررة”. هذا التراجع جاء نتيجة ضربات ميدانية قوية من الجيش المغربي، الذي نفذ عمليات عسكرية نوعية أدت إلى تغيير ميزان القوى على الأرض لصالح المملكة.

 

زروال أشار أيضاً إلى أن هذه المعلومات تم تسريبها من اجتماع مغلق نظمته ما يُسمى بـ”وزارة الخارجية الصحراوية”، حيث أقرّ ممثل البوليساريو لدى الأمم المتحدة، محمد عمار، بالوضع الصعب الذي تواجهه الجبهة. عمار أبدى قلقه إزاء المكاسب المغربية الأخيرة، والتي وصفها بأنها تحدٍ كبير لمشروع الانفصال. كما أضاف أن المغرب استعاد 40 كيلومتراً إضافياً من الأراضي الصحراوية بعد الأحداث التي شهدتها منطقة الكركرات في نوفمبر 2020. تصريحات عمار، وفقاً لزروال، عكست حالة من التوتر داخل أروقة البوليساريو، التي تعيش أسوأ مراحلها الميدانية والدبلوماسية منذ عقود.

 

على المستوى الدولي، يبدو أن التحديات التي تواجهها البوليساريو لا تقتصر على الميدان فقط، بل تمتد إلى المحافل الدبلوماسية. خلال الاجتماع المذكور، أشار عمار إلى ما وصفه بالدور السلبي لفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية في عرقلة جهود الجبهة لتحقيق أهدافها الانفصالية. وأبرزت النقاشات المسودة الأمريكية لعام 2008، التي أكدت بشكل صريح أن قيام دولة صحراوية مستقلة غير ممكن في ظل المعطيات الجيوسياسية الحالية. هذا الموقف الأمريكي يتماشى مع الدعم الفرنسي الثابت للمغرب في مجلس الأمن الدولي، حيث تعمل باريس على تعزيز مقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب كحل وحيد وواقعي للنزاع.

 

من جهة أخرى، كشفت تصريحات عمار عن تناقض واضح في خطاب الجبهة. ففي الوقت الذي يواصل فيه ممثلو البوليساريو المطالبة بـ”حق تقرير المصير”، يتجاهلون واقع تراجع الدعم الدولي لهذا الطرح. الأمم المتحدة، التي ظلت لسنوات تُناقش فكرة الاستفتاء، تجاوزت هذا الخيار بسبب استحالة تطبيقه عملياً في ظل الظروف الحالية. بدلاً من ذلك، يُجمع المجتمع الدولي بشكل متزايد على ضرورة إيجاد حل سياسي واقعي ومستدام، وهو ما يتجسد في مقترح الحكم الذاتي الذي يحظى بدعم واسع من دول العالم.

 

تراجع البوليساريو الميداني يتزامن مع أزمات داخلية تواجهها الجبهة. الانتقادات الموجهة لقيادتها تتزايد، خاصة من طرف الناشطين الصحراويين المعارضين الذين باتوا يرون أن المشروع الانفصالي يفتقر إلى رؤية استراتيجية واضحة. زروال أشار إلى أن هذا الوضع الداخلي المتأزم يُفاقم من عزلة الجبهة على الساحة الدولية. الجزائر، الحليف الرئيسي للبوليساريو، تُواجه بدورها ضغوطاً دبلوماسية واقتصادية متزايدة تجعل من الصعب عليها الاستمرار في دعم مشروع يُنظر إليه بشكل متزايد على أنه فاقد للمصداقية.

 

في ظل هذه التحولات، يواصل المغرب تعزيز مواقفه الميدانية والدبلوماسية. العمليات العسكرية الأخيرة أظهرت جاهزية القوات المغربية وقدرتها على حماية الوحدة الترابية للبلاد. إلى جانب ذلك، يستمر المغرب في تحقيق اختراقات دبلوماسية مهمة، حيث فتحت العديد من الدول قنصليات لها في مدينتي العيون والداخلة، في إشارة واضحة لدعمها للسيادة المغربية على الصحراء. هذه التطورات تُعزز موقف المغرب في المنتديات الدولية، حيث باتت رؤيته للنزاع تحظى بتأييد متزايد.

 

التحولات الأخيرة تعكس أيضاً تبدلاً في موازين القوى في المنطقة. بينما يواصل المغرب تحقيق المكاسب على الأرض وفي المحافل الدولية، تبدو البوليساريو في وضع لا تحسد عليه. التراجع الميداني، والعزلة الدولية، والانتقادات الداخلية كلها عوامل تُظهر أن مشروع الانفصال بات يواجه مصيراً غامضاً. ومع استمرار الدعم الجزائري، يُطرح تساؤل حول مدى قدرة الجبهة على الصمود في ظل هذه الضغوط المتزايدة. الجزائر، التي تعتمد على مشروع البوليساريو لتعزيز نفوذها الإقليمي، تجد نفسها في موقف صعب، حيث تواجه تحديات داخلية وخارجية تجعل من استمرار دعمها للجبهة مكلفاً على أكثر من صعيد.

 

المشهد الحالي يُبرز أن النزاع في الصحراء المغربية يدخل مرحلة جديدة من التحولات. المغرب، الذي استثمر في تعزيز قوته العسكرية ودبلوماسيته النشطة، يبدو أكثر استعداداً لفرض رؤيته للحل. في المقابل، البوليساريو، المدعومة من الجزائر، تبدو عاجزة عن مواكبة هذه التحولات. التحديات التي تواجهها الجبهة تُظهر أن مشروع الانفصال، الذي كان يوماً ما يحظى بدعم واسع، بات اليوم أقرب إلى الانهيار. ومع استمرار التحولات الميدانية والدبلوماسية، يبدو أن نهاية هذا النزاع قد تكون أقرب مما كان متوقعاً، خاصة في ظل تغير المواقف الدولية لصالح المغرب وترسيخ سيادته على كامل أراضيه.