
القضاء يدين متهمًا في قضية عبد الإله”مول الحوت” رغم تنازل الضحايا
أصدرت المحكمة الابتدائية بمراكش حكمها في قضية أثارت اهتمام الرأي العام المحلي، بعدما تورط أحد الأشخاص في عمليات نصب استهدفت عبد الإله الجابوني، المعروف بـ”مول الحوت”، ووالده، إضافة إلى ضحيتين آخرين. ورغم تنازل هؤلاء عن متابعة المتهم، إلا أن القضاء قرر المضي قدمًا في القضية وإدانته بشهرين حبسا نافذا، في خطوة تعكس حرص العدالة على التصدي لمثل هذه الجرائم، بغض النظر عن موقف الضحايا.
القضية لم تكن مجرد نزاع عابر، بل جاءت في سياق تزايد حالات الاحتيال التي يقع ضحيتها المواطنون، وهو ما جعل السلطات تتعامل معها بجدية أكبر، خصوصًا بعدما كشفت التحقيقات أن المتهم لم يكن مجرد شخص تورط في واقعة وحيدة، بل أظهرت التحريات ارتباطه بعمليات نصب أخرى، اعتمد فيها على إيهام الضحايا بتقديم خدمات تجارية، قبل أن يستولي على أموالهم ويختفي عن الأنظار. هذه السلوكيات جعلته محل شكايات متعددة، دفعت الأجهزة الأمنية والقضائية إلى اتخاذ التدابير القانونية في حقه، رغم أن المتضررين قرروا طي الملف عبر التنازل.
لم يكن الحكم القضائي مفاجئًا بالنسبة للكثيرين، خصوصًا في ظل توجه القضاء المغربي إلى التعامل بصرامة مع الجرائم المرتبطة بالنصب والاحتيال، وذلك لتوجيه رسالة واضحة تفيد بأن العدالة لا ترتبط فقط برغبة الضحايا، بل بضرورة حماية المجتمع من هذه السلوكيات، وردع أي شخص قد يفكر في تكرارها. ورغم أن العديد من القضايا المماثلة تنتهي غالبًا بالتصالح بين الأطراف، فإن هذه القضية عكست توجهاً مختلفًا، حيث أصر القاضي على إصدار الحكم بناءً على المعطيات القانونية، وليس فقط وفق ما ارتضاه الضحايا.
اللافت في هذه القضية أن عبد الإله الجابوني، أو “مول الحوت”، لم يكن مجرد اسم عابر في أوساط الرأي العام، بل سبق له أن أثار الجدل بسبب مبادرته لبيع سمك السردين بسعر خمسة دراهم للكيلوغرام، وهو ما جعله يكتسب شهرة واسعة، سواء على مواقع التواصل الاجتماعي أو في الواقع. هذه الشهرة جعلت كل ما يرتبط به محط أنظار الإعلام والجمهور، وبالتالي، لم يكن غريبا أن تحظى قضيته الأخيرة بهذا القدر من الاهتمام، خصوصًا بعد صدور الحكم في حق المتهم الذي كان جزءًا من هذه القضية.
إصدار المحكمة لحكم بالسجن في حق المتهم رغم تنازل الضحايا يحمل أبعادًا عديدة، لعل أبرزها تأكيد استقلالية القضاء وعدم ارتباطه بالمصالح الضيقة للأفراد، بل بضرورة فرض سلطة القانون وحماية المجتمع من أي تهديدات قد تنشأ بسبب التساهل مع مثل هذه الجرائم. كما أن هذا الحكم يعكس واقعًا يتكرر في العديد من القضايا المشابهة، حيث يجد المتهمون طرقًا للإفلات من العقاب عبر تسوية الأمور وديًا، لكن القضاء يثبت، في مناسبات معينة، أن دوره يتجاوز مجرد المصادقة على التفاهمات بين الأطراف، ليشمل كذلك تحقيق الردع العام وضمان عدم تكرار الجرائم.
هذه القضية تطرح أيضًا تساؤلات حول مدى انتشار عمليات النصب والاحتيال في المجتمع، وكيف يمكن للضحايا حماية أنفسهم من الوقوع في فخاخ المحتالين، خصوصًا في ظل تنامي أساليب الاحتيال التي تستغل ثقة الناس وحاجتهم إلى خدمات معينة. فرغم التحذيرات المتكررة من الوقوع في مثل هذه العمليات، إلا أن العديد من الأفراد يجدون أنفسهم ضحايا لمخططات محكمة، يصعب اكتشافها إلا بعد فوات الأوان.
إلى جانب ذلك، تعكس هذه القضية أهمية الدور الذي تلعبه العدالة في تحقيق التوازن بين الحفاظ على حقوق الأفراد وحماية النظام العام، إذ إن تنازل الضحايا لا يعني بالضرورة إغلاق الملف، خاصة إذا كان الأمر يتعلق بجريمة تمس شريحة واسعة من المجتمع. فمثلما أن القضاء يُعنى بإنصاف الضحايا، فإنه معني أيضًا بتوجيه رسائل قوية إلى من تسول لهم أنفسهم استغلال ثغرات النظام القانوني للتهرب من المحاسبة.
هذه الواقعة قد تكون مجرد نموذج ضمن سلسلة من القضايا التي تُطرح على أنظار القضاء المغربي، لكنها تبقى ذات دلالة عميقة حول كيفية تعاطي العدالة مع الجرائم المالية، ومدى قدرتها على فرض سلطة القانون، حتى في ظل غياب الشكايات أو تنازل المتضررين. ومع استمرار النقاش حول دور القضاء في تحقيق التوازن بين العقوبات الزجرية وضمان العدالة الفردية، يبقى الأهم هو التأكد من أن كل حكم يصدر يعكس جوهر القانون، ويحمي المجتمع من تداعيات أي تهاون قد يؤدي إلى انتشار هذه الجرائم بشكل أكبر.



