الفقر في المغرب.. أرقام صادمة ورؤية حكومية لمستقبل أكثر إنصافًا

كشفت المندوبية السامية للتخطيط في تقريرها الأخير أن العدد الإجمالي للفقراء على الصعيد الوطني خلال سنة 2022 بلغ نحو 1.42 مليون شخص، موزعين بين 512 ألف شخص في الوسط الحضري و906 آلاف شخص في الوسط القروي. هذه الأرقام تعكس التفاوتات الاجتماعية بين المناطق الحضرية والقروية، كما تسلط الضوء على التحديات الاقتصادية التي تواجهها الأسر المغربية، خاصة في ظل التغيرات الاقتصادية العالمية وارتفاع تكاليف المعيشة.

تشير هذه الأرقام إلى أن الفقر لا يزال أكثر انتشارًا في المناطق القروية، حيث يمثل سكان القرى حوالي 64% من إجمالي الفقراء في البلاد، مقارنة بـ 36% في المدن. ويرجع هذا التفاوت إلى عدة عوامل، منها:

  1. ضعف البنية التحتية في القرى: يواجه سكان القرى صعوبة في الحصول على الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم، مما يعزز دوامة الفقر.
  2. قلة الفرص الاقتصادية: يعتمد الاقتصاد القروي بشكل رئيسي على الفلاحة، وهو قطاع يتأثر بشدة بالتغيرات المناخية والجفاف، ما يضعف مداخيل الفلاحين الصغار.
  3. الهجرة الداخلية: يضطر العديد من الشباب القرويين إلى الهجرة نحو المدن بحثًا عن فرص عمل، مما يؤدي إلى هجرة الأدمغة ونقص الكفاءات في المناطق الريفية.

عرفت سنة 2022 العديد من التحديات الاقتصادية التي أثرت بشكل مباشر على مستويات الفقر في المغرب، أبرزها:

  • ارتفاع التضخم: أدى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة إلى تآكل القدرة الشرائية للأسر، ما جعل الفئات الهشة أكثر عرضة للفقر.
  • تأثير جائحة كوفيد-19: رغم انتهاء الجائحة، إلا أن تداعياتها الاقتصادية لا تزال مستمرة، حيث فقد العديد من الأشخاص وظائفهم أو تأثر نشاطهم الاقتصادي.
  • الجفاف وتأثيراته على الفلاحة: عرفت سنة 2022 موسمًا فلاحياً صعبًا بسبب ندرة الأمطار، مما أدى إلى تراجع الإنتاج الفلاحي وارتفاع أسعار المواد الأساسية.

التدابير الحكومية لمكافحة الفقر

في مواجهة هذه الأوضاع، اعتمدت الحكومة المغربية عدة سياسات وبرامج لمحاربة الفقر والتقليل من الفوارق الاجتماعية، أبرزها:

  1. تعزيز الحماية الاجتماعية: تم توسيع برامج المساعدات المباشرة للأسر الهشة، مثل تعميم التغطية الصحية والتأمين الصحي الإجباري.
  2. دعم الفئات الفقيرة عبر برامج المساعدات المالية: مثل برنامج “تيسير” لدعم التمدرس، وبرنامج “الراميد” للرعاية الصحية، والمساعدات المباشرة التي أُعلن عنها لتعويض الفئات الأكثر هشاشة.
  3. تعزيز التشغيل والإدماج الاقتصادي: تسعى الدولة إلى خلق فرص عمل جديدة عبر دعم المقاولات الصغرى والمتوسطة، وإطلاق مشاريع كبرى تحفز الاستثمار.

رغم الجهود المبذولة، لا تزال هناك تحديات كبيرة تحتاج إلى حلول طويلة الأمد، من بينها:

  • تحقيق عدالة مجالية بين الوسطين القروي والحضري عبر تطوير البنية التحتية وتعزيز الخدمات الأساسية في القرى.
  • مكافحة الفقر متعدد الأبعاد، إذ لا يتعلق الأمر فقط بالدخل، بل يشمل أيضًا الولوج إلى التعليم والصحة والسكن اللائق.
  • تعزيز الاستدامة الاقتصادية من خلال تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على الفلاحة فقط في المناطق القروية.

تسعى الحكومة المغربية إلى تبني رؤية شاملة وطويلة الأمد لمكافحة الفقر وتقليص الفوارق الاجتماعية، وذلك في إطار النموذج التنموي الجديد الذي يهدف إلى تحقيق تنمية مستدامة وشاملة بحلول سنة 2035. وتعتمد هذه الرؤية على عدة محاور رئيسية، منها:

  • تعزيز الحماية الاجتماعية من خلال تعميم التغطية الصحية، وتوسيع برامج الدعم المالي المباشر للأسر الفقيرة، وتحسين أنظمة التقاعد والتعويضات العائلية.
  • خلق فرص عمل مستدامة عبر دعم المقاولات الصغرى، وتعزيز الاستثمار في القطاعات الإنتاجية، خاصة في المجال الصناعي والتكنولوجي، لتقليل الاعتماد على الفلاحة فقط.
  • تنمية العالم القروي من خلال تطوير البنية التحتية، وتحسين جودة الخدمات الأساسية كالتعليم والصحة، وتوفير دعم أكبر للفلاحين لضمان استدامة القطاع الفلاحي.
  • إصلاحات في مجال التعليم والتكوين المهني لضمان تأهيل الشباب ورفع قدراتهم لمواكبة متطلبات سوق الشغل، مما يسهم في تحسين أوضاعهم الاقتصادية وتقليل معدلات الفقر على المدى البعيد.

 

تعكس هذه الرؤية التزام الدولة بتعزيز العدالة الاجتماعية وتحقيق نمو اقتصادي متوازن يضمن الارتقاء بالمستوى المعيشي لجميع المواطنين، سواء في المدن أو القرى، مما سيسهم في تقليص معدلات الفقر وتحقيق تنمية أكثر استدامة وشمولية.

 

حيث يعد الفقر من التحديات الكبرى التي تواجه المغرب، خاصة في ظل التفاوتات الجغرافية والتغيرات الاقتصادية المستمرة. ورغم الجهود الحكومية لتقليص الفجوة بين الفئات الاجتماعية، إلا أن تحقيق التنمية المستدامة يتطلب تبني استراتيجيات شاملة ترتكز على العدالة الاجتماعية، التمكين الاقتصادي، وتعزيز الفرص للجميع.