في خطوة جديدة نحو تحديث البنية التحتية الأمنية في العاصمة المغربية الرباط، تم الإعلان رسميًا عن فوز شركتين بصفقة إنشاء نظام مراقبة بالفيديو يعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي. يأتي هذا المشروع الطموح في سياق جهود السلطات المحلية لتعزيز الأمن في المدينة وتحسين قدرة الأجهزة الأمنية على مراقبة الأحياء والشوارع بكفاءة عالية.
المشروع، الذي من المقرر الانتهاء منه قبل نهاية العام، يعتمد على تقنيات متطورة في مجال الذكاء الاصطناعي والتعلم العميق، حيث سيتم تركيب شبكة واسعة من الكاميرات الذكية القادرة على التعرف على الوجوه وقراءة لوحات السيارات بشكل تلقائي. من خلال هذه التقنيات، سيتمكن النظام من تتبع الأفراد والمركبات في الوقت الحقيقي، مما يتيح للسلطات الاستجابة بسرعة لأي حوادث أمنية محتملة أو التعرف على الأشخاص المطلوبين لدى الجهات الأمنية.
تم تقسيم المشروع إلى جزأين رئيسيين لضمان تنفيذه بأعلى المعايير التقنية والأمنية. الجزء الأول يركز على تجهيز مراكز القيادة ومراكز البيانات، حيث سيتم إنشاء مركزين رئيسيين لإدارة النظام المركزي بشكل فعال، إلى جانب إنشاء بنيات تحتية معلوماتية متطورة تلبي المعايير الدولية في مجال أمن البيانات وحمايتها. ستمكّن هذه المراكز الفرق الأمنية من مراقبة المدينة بكفاءة وتحليل البيانات الواردة من الكاميرات بسرعة فائقة.
أما الجزء الثاني من المشروع فيتعلق بنشر نظام المراقبة البصرية عبر تركيب عدد كبير من الكاميرات الذكية في مختلف مناطق العاصمة. تشمل هذه الكاميرات أنواعا متعددة مثل كاميرات التعرف على الوجوه، والكاميرات البانورامية التي توفر رؤية واسعة، بالإضافة إلى كاميرات PTZ المتغيرة الزوايا القادرة على التحرك لمتابعة الأجسام المتحركة، والكاميرات طويلة المدى التي تتيح مراقبة المناطق البعيدة بدقة عالية.
تعتمد البنية التحتية لهذا النظام المتطور على شبكة اتصالات عالية الأداء، حيث سيتم استخدام الألياف البصرية وكابلات البيانات المتقدمة من نوع CAT 6A لضمان سرعة وكفاءة نقل المعلومات بين الكاميرات والمراكز الرئيسية. كما سيتم دمج خوادم متطورة تدعم قدرات الذكاء الاصطناعي، ما يسمح بتحليل الفيديو في الوقت الحقيقي واستخراج المعلومات الأمنية بدقة متناهية.
تم اختيار شركتين لتنفيذ المشروع، حيث ستتولى “SOCIETE FINATECH GROUP” الجزء الأول من المشروع بتكلفة 34.8 مليون درهم، بينما ستنفذ “SOCIETE ALOMRA GROUP INTERNATIONAL” الجزء الثاني من المشروع بكلفة 73.8 مليون درهم. هذا الاختيار جاء بعد فتح طلب العروض في 19 فبراير 2025، وانتهت أشغال اللجنة المختصة بفرز العروض يوم 11 مارس 2025.
يعتبر هذا المشروع قفزة نوعية في مجال الأمن الحضري بالمغرب، حيث يعكس تبني الرباط لتقنيات الذكاء الاصطناعي التزامها بمواكبة التطورات التكنولوجية العالمية في المجال الأمني. ومن المتوقع أن يسهم هذا النظام في تقليص معدلات الجريمة وتعزيز الشعور بالأمان لدى المواطنين، خاصة في ظل الارتفاع المتزايد لاستخدام تقنيات المراقبة الذكية في المدن الكبرى حول العالم.
من جهة أخرى، أثار المشروع بعض المخاوف لدى نشطاء حقوق الإنسان حول مسألة الخصوصية وحماية البيانات الشخصية، حيث طالب البعض بضمانات قانونية تحد من استخدام هذه التكنولوجيا خارج إطارها الأمني، وتمنع أي انتهاكات محتملة لحقوق الأفراد. غير أن الجهات المسؤولة أكدت أن النظام سيتم تشغيله وفقًا لمعايير قانونية صارمة تضمن احترام الحقوق والحريات الفردية، مع اعتماد آليات رقابة مستقلة لضمان شفافية استخدام البيانات.
بإطلاق هذا المشروع، تنضم الرباط إلى قائمة المدن العالمية التي تعتمد أنظمة مراقبة ذكية مدعومة بالذكاء الاصطناعي، وهو ما قد يشكل نموذجًا يحتذى به لباقي المدن المغربية في المستقبل. ومن المنتظر أن يسهم هذا التحول الرقمي في تعزيز القدرات الأمنية وتقليل زمن الاستجابة للحوادث، مما يجعل العاصمة المغربية واحدة من أكثر المدن أمانًا في المنطقة.