
الرؤية الاستراتيجية للمملكة : استشراف المستقبل من خلال خطاب الملك أمام البرلمان
ياسيــن كحلـي - مستشار قانوني وباحث في العلوم القانونية
في سياق الدورة الأولى من السنة التشريعية الخامسة للولاية التشريعية الحادية عشرة، ألقى جلالة الملك محمد السادس خطاباً سامياً. وقد حدث ذلك يوم الجمعة العاشر من أكتوبر 2025 أمام أعضاء مجلسي البرلمان. وفي هذا الإطار، أكد الملك مرة أخرى أن مسار المغرب الصاعد يرتكز على ركيزتين. وهاتان الركيزتان هما العدالة الاجتماعية والتنمية الشاملة. وتُعدّان أساسيتين للرؤية الملكية الاستراتيجية. كما جاء الخطاب في وقت بالغ الحساسية والأهمية. فالخطاب يواكب مرحلة دقيقة من البناء المؤسسي وتسريع الإصلاحات الجوهرية. وهذا يحدث مع الحرص على توازن الطموحات الاجتماعية والتنمية الاقتصادية. الهدف هو تعزيز مكانة المملكة وطنياً ودولياً.
توجيهات لإنهاء الولاية التشريعية بمسؤولية
وفي مستهله، توجه الخطاب مباشرة إلى البرلمانيين. حيث أكد على أن السنة الحالية تشكل خاتمة الولاية التشريعية. ولذلك، دعاهم إلى استكمال المخططات التشريعية. كما طالبهم بتنفيذ المشاريع المفتوحة. وأكد على ضرورة العمل بروح المسؤولية والالتزام الكامل. وفي هذا الصدد، يُبرز هذا التوجيه الحرص الملكي على أن يكون العمل البرلماني ذا أثر ملموس. كما يشدد على أن يتم التركيز على النتائج وليس الشكل. وهذا مؤشر على أهمية الفاعلية والنجاعة في أداء المؤسسات التشريعية.
الدبلوماسية البرلمانية والتوازن الاجتماعي
ومن جهة أخرى، تناول الملك في خطابه تعزيز الدبلوماسية البرلمانية والحزبية. كما دعا إلى التعاون مع الدبلوماسية الرسمية. هذه الفقرة تحمل رسائل سياسية دقيقة. إذ تشير إلى أن القضايا الوطنية الكبرى تتطلب إجماعاً وتنسيقاً بين مختلف الفاعلين. ويتم هذا لضمان استقرار القرارات وتحقيق التكامل بين العمل التشريعي والتنفيذي. علاوة على ذلك، شدد الخطاب على عدم التناقض بين المشاريع الوطنية الكبرى والبرامج الاجتماعية. وأكد أن الهدف النهائي هو تحسين ظروف عيش المواطنين أينما كانوا. وتدل هذه التوجيهات على أن العدالة الاجتماعية والمجالية ليست شعاراً مرحلياً. بل هي أولوية استراتيجية. تهدف إلى تحقيق تكافؤ الفرص والتنمية المتوازنة.
التنمية الترابية ودور الفاعلين في تأطير المواطنين
كما ركز الخطاب الملكي للبرلمان على مسؤولية جميع الفاعلين في تأطير المواطنين. ويشمل ذلك التعريف بالمبادرات الحكومية والقوانين. وفي هذا السياق، شدد على دور الأحزاب السياسية والبرلمانيين والإعلام والمجتمع المدني. ويشير هذا التوجيه إلى رؤية شمولية تقوم على تعزيز ثقافة المساءلة والشفافية. كما أن الفقرات المتعلقة بالتنمية الترابية جاءت لتؤكد أهمية تحقيق العدالة المجالية على أرض الواقع. وقد ركز التوجيه على المناطق الجبلية والسواحل والمراكز القروية. ويُبرز هنا توجيه الملك إلى وضع سياسات مندمجة. هذه السياسات تراعي الخصوصيات المحلية وتستثمر المؤهلات الاقتصادية والاجتماعية.
الخاتمة الأخلاقية وخارطة الطريق الشاملة
وفي الختام، استخدم الملك لغة بلاغية دقيقة لتقوية أثر رسالته. كما كرر مفاهيم أساسية مثل المسؤولية والمواطن والعدالة المجالية. واختتم الخطاب الملكي بدعوة البرلمانيين والحكومة إلى النزاهة والالتزام. واستحضر الآية السابعة من سورة الزلزلة. وهو ما يؤكد أن أي تقصير سيكون له عواقب واضحة. إن الخطاب الملكي هذا، بما يحتويه من رؤية شمولية ومسؤولية جماعية، يعكس التوجه المستمر نحو المغرب الصاعد. وهو يحدد خارطة طريق واضحة لتعزيز العدالة الاجتماعية والمجالية، وتحقيق التنمية الترابية المستدامة.



