الحكومة المغربية تخفض أسعار 190 دواء لمكافحة الأمراض المزمنة

 

 

تواصل الحكومة المغربية في تنفيذ سلسلة من الإصلاحات الهادفة إلى تحسين الوصول إلى الأدوية بأسعار معقولة وجودة عالية. في هذا السياق، أقدمت الحكومة على اتخاذ قرار هام بتقليص أسعار 190 دواء، منها العديد مخصص للأمراض المزمنة التي تؤثر على صحة المواطنين، ما يجعل هذه الخطوة ذات أهمية بالغة في إطار تعزيز الحق في الصحة لجميع الفئات الاجتماعية، لا سيما الأكثر هشاشة.

حسب البيانات المنشورة في الجريدة الرسمية منذ عام 2021، تمكنت الحكومة من تحقيق تخفيضات في أسعار أكثر من 5,350 منتجاً صيدلانياً، تشمل أدوية معالجة الأمراض المزمنة والأساسية التي يعتمد عليها العديد من المرضى. في خطوة جديدة، أعلنت الحكومة عن تخفيض أسعار 169 دواء آخر، تركزت بشكل رئيسي على أدوية الأمراض المزمنة مثل السكري، ارتفاع ضغط الدم، والكوليسترول، وهي أدوية تتطلب استخدامها مدى الحياة. هذا الإجراء يعكس التزام الحكومة بتوفير الأدوية اللازمة بأثمان معقولة لتخفيف العبء المالي عن المواطنين.

في سياق هذه الإصلاحات، تبنّت الحكومة تعديلات مهمة على قانون الأدوية والصيدلة، تهدف إلى تعزيز الشفافية والرقابة في سوق الأدوية. تشمل هذه التعديلات تنظيم الإعلانات الخاصة بالأدوية، والتي كانت في السابق تتم بطريقة غير منضبطة، مما أدى إلى انتشار بعض الأدوية غير الفعّالة أو المبالغ في أسعارها. كما تم وضع آليات جديدة لضمان تتبع المنتجات من مرحلة التصنيع وحتى الوصول إلى المستهلك، بما يعزز الثقة في الأدوية المتداولة في السوق.

هذه الإصلاحات تهدف إلى القضاء على الفوضى التي قد تعتري صناعة الأدوية، وتعزيز ثقافة الشفافية والرقابة على مستوى سوق الأدوية. ووفقاً للمسؤولين، فإن هذه الإجراءات تندرج في إطار تحسين جودة الرعاية الصحية في البلاد وضمان وصول الأدوية الأساسية لكل المواطنين، بما يساهم في تقليل الفوارق الصحية بين مختلف الشرائح الاجتماعية.

رغم هذه الإصلاحات، لا تزال قضية تسعير الأدوية تمثل موضوعاً حساساً يتطلب مزيداً من الحوكمة والشفافية. فقد أشار الوزير أمين الطهراوي خلال عرض مشروع الميزانية القطاعية أمام البرلمان إلى أن الإصلاحات التي تم إقرارها سابقاً، مثل تلك التي تخص تسعير الأدوية في سنة 2013، لم تساهم في حل جميع المشاكل. وأوضح أن التسعير يظل محلاً للكثير من الجدل، خاصة في ظل وجود أدوية مبتكرة ذات تكاليف مرتفعة، مما يزيد من تعقيد الأمور في سياق التغطية الصحية الشاملة، وتحديداً في ظل التوسع في التأمين الصحي الإجباري.

وأشار الوزير إلى أن هذه التحديات تتطلب وضع استراتيجيات أكثر تكاملاً للتعامل مع الارتفاع المستمر في أسعار بعض الأدوية، لا سيما التي تتعلق بالأمراض المزمنة. كما سلط الضوء على ضرورة مراعاة الصعوبات المالية التي تواجهها صناديق التأمين الصحي في ظل زيادة العبء المالي نتيجة لتعميم التأمين الصحي الإجباري، الذي يهدف إلى ضمان تغطية صحية للجميع.

لتجاوز هذه التحديات، وضعت الحكومة استراتيجية متكاملة تحت إشراف رئيس الحكومة وبتعاون مع وزارة الميزانية. تتمثل هذه الاستراتيجية في مراجعة هوامش الربح المتعلقة بتصنيع الأدوية وتوزيعها، لضمان تحقيق توازن بين تكلفة الإنتاج والأسعار المقررة للمستهلك. كما تتضمن هذه الخطة النظر في تعديل المبالغ المخصصة للأدوية ذات التكلفة العالية، مع ضمان ألا تؤثر هذه التعديلات على قدرة المواطنين، ولا سيما الفئات الأكثر ضعفاً، على الحصول على الأدوية الضرورية.

ضمن السياسة الصيدلانية الوطنية الممتدة من 2023 إلى 2027، تركز الحكومة على تعزيز الصناعة الدوائية المحلية. الهدف هو تقليص الاعتماد على الواردات الأجنبية للأدوية، وبالتالي تقليص التكاليف المرتبطة بالاستيراد. يشمل ذلك تشجيع شركات الأدوية المحلية على تصنيع أدوية جنيسة بأسعار أقل، ما يسهم في تخفيف العبء المالي على النظام الصحي الوطني.

كما يتضمن هذا التوجه تسهيل الإجراءات اللازمة لتصنيع الأدوية داخل المغرب، بما يضمن توفير الأدوية بشكل مستمر وآمن للسوق المحلي. ومن المتوقع أن تُسهم هذه الاستراتيجية في تحسين القدرة التنافسية للقطاع الصيدلاني المحلي على المستوى الإقليمي والدولي.

تشير الدراسات الأولية إلى أن الإجراءات الحكومية، خاصة فيما يتعلق بتخفيض أسعار الأدوية، سيكون لها تأثير إيجابي كبير على المواطنين، لاسيما أولئك الذين يعانون من الأمراض المزمنة. فقد تمكنت العديد من الأسر من تخفيض نفقاتها الصحية نتيجة لهذه التعديلات، ما يعكس نجاح السياسة الحكومية في تحسين الوصول إلى الأدوية.

إضافة إلى ذلك، فإن توفير أدوية بأسعار معقولة يشجع المواطنين على الالتزام بالعلاج بشكل أكثر انتظاماً، مما يسهم في تحسين مؤشرات الصحة العامة في البلاد. وعلى الرغم من التحديات المستمرة، فإن هذه الخطوات تمثل بداية لتحسين ملموس في النظام الصحي الوطني.

تُعتبر هذه الإصلاحات بداية لمرحلة جديدة في تطوير النظام الصحي في المغرب، وتفتح آفاقاً واسعة نحو تحقيق نظام صحي مستدام يتسم بالكفاءة والعدالة. ومع استمرار الحكومة في دعم الصناعة المحلية، وتوسيع نطاق التغطية الصحية، فإن المواطن المغربي سيحظى بمزيد من الفرص للحصول على الرعاية الصحية الجيدة دون الوقوع في أزمات مالية.

 

ومع العمل المستمر على تحسين جودة الأدوية وضمان شفافيتها، يُنتظر أن تؤتي هذه السياسات ثمارها بشكل تدريجي، ما سيسهم في تحقيق تنمية صحية شاملة تستفيد منها كافة فئات المجتمع.