مجتمع

الحكم على الناشط فؤاد عبد المومني بالسجن ستة أشهر بسبب تدوينة عن زيارة ماكرون للمغرب

أصدرت المحكمة الابتدائية الزجرية في الدار البيضاء حكمًا بالسجن النافذ لمدة ستة أشهر وغرامة مالية قدرها 2000 درهم بحق الناشط الحقوقي فؤاد عبد المومني، وذلك على خلفية تدوينة نشرها على موقع فيسبوك تعليقًا على زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى المغرب. التهم الموجهة لعبد المومني تضمنت إهانة هيئة منظمة، ونشر ادعاءات كاذبة، وتبليغ عن جريمة وهمية مع علمه بعدم حدوثها. اعتقاله جاء مباشرة بعد انتهاء زيارة ماكرون، التي استمرت من 28 إلى 30 أكتوبر 2024، وشكلت محطة بارزة في مسار العلاقات بين البلدين، التي شهدت توترات دبلوماسية كبيرة خلال السنوات الأخيرة.

 

محاكمة عبد المومني جرت في غيابه، حيث أكد دفاعه أنه يخضع للعلاج خارج المغرب، ما دفع المحكمة إلى مناقشة القضية دون حضوره. هذا الأمر أثار جدلًا واسعًا بين مؤيدين للحكم باعتباره تطبيقًا للقانون، وبين منتقدين رأوا فيه استهدافًا لحرية التعبير، خصوصًا أن التدوينة التي تسببت في متابعته جاءت في سياق سياسي حساس، تميز بإعادة بناء العلاقات بين المغرب وفرنسا بعد أزمة دبلوماسية حادة.

 

الخلاف بين البلدين تفجّر في صيف 2021 بعد نشر تحقيقات صحفية دولية تتهم المغرب باستخدام برنامج التجسس الإسرائيلي “بيغاسوس” للتنصت على هواتف سياسيين فرنسيين، من بينهم الرئيس الفرنسي نفسه، إلى جانب عدد من النشطاء المغاربة، من ضمنهم عبد المومني. الحكومة المغربية نفت بشكل قاطع هذه الاتهامات، معتبرة إياها حملة تستهدف سمعة البلاد، بينما ظلت العلاقات متوترة لعدة سنوات قبل أن تشهد انفراجًا تدريجيًا عقب اعتراف فرنسا رسميًا بسيادة المغرب على الصحراء في يوليوز 2024.

 

زيارة ماكرون إلى الرباط جاءت لتكريس هذا التحول في العلاقات، حيث تم الإعلان عن توقيع نحو 40 اتفاقية استثمارية تشمل مجالات متعددة، من بينها مشاريع في الصحراء المغربية، وهو ما اعتُبر خطوة فرنسية نحو تعزيز الشراكة الاستراتيجية مع المغرب. ورغم هذا التقارب الدبلوماسي، فإن القضية أثارت مجددًا النقاش حول حرية التعبير في البلاد، خاصة أن متابعة عبد المومني ليست الأولى من نوعها، بل تأتي ضمن سلسلة من المحاكمات التي طالت صحفيين ونشطاء بسبب آرائهم المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي.

 

الحكم على عبد المومني أثار ردود فعل واسعة بين الحقوقيين والمتابعين، حيث رأى البعض أنه يعكس نهجًا متزايدًا للحد من حرية التعبير عبر استخدام القوانين الجنائية لملاحقة المعارضين والمنتقدين، بينما اعتبر آخرون أن تصريحاته تجاوزت الحدود القانونية، ما جعل ملاحقته أمرًا مشروعًا وفقًا للقوانين المعمول بها في المغرب. في هذا السياق، يتجدد النقاش حول التوازن بين حماية المؤسسات واحترام حرية التعبير، خاصة عندما يتعلق الأمر بقضايا ذات طابع سياسي ودبلوماسي حساس.

 

العديد من المنظمات الحقوقية، سواء داخل المغرب أو خارجه، عبّرت عن قلقها إزاء هذا الحكم، معتبرة أن التضييق على النشطاء والصحفيين قد يؤثر على صورة المغرب في مجال حقوق الإنسان. وفي المقابل، ترى السلطات أن تطبيق القوانين ضروري للحفاظ على النظام العام ومنع نشر الأخبار الزائفة التي قد تؤثر على استقرار البلاد. هذا الجدل يعكس تحديات أوسع تواجهها الديمقراطيات الناشئة، حيث تبقى مسألة حرية التعبير محورًا رئيسيًا في النقاش العمومي بين مختلف الفاعلين السياسيين والمدنيين.

 

المحاكمة والجدل المصاحب لها تضع المغرب مجددًا تحت الأضواء فيما يخص قضايا حرية التعبير وحقوق الإنسان. ففي الوقت الذي تسعى فيه البلاد إلى تعزيز شراكاتها الدولية وجذب الاستثمارات، فإن مثل هذه القضايا قد تثير مخاوف بشأن مناخ الحريات العامة. هذا الوضع يطرح تساؤلات حول مستقبل حرية التعبير في المغرب، خاصة مع استمرار الملاحقات القضائية ضد الصحفيين والنشطاء، مما يجعل من الصعب تحقيق التوازن بين حفظ الأمن والاستقرار وضمان حرية الرأي والتعبير.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى