
إغلاق مضيق هرمز، الذي يُعد من أهم الممرات البحرية الحيوية في العالم، يلوح في الأفق كأحد أخطر السيناريوهات التي تهدد استقرار أسواق الطاقة العالمية. المضيق الذي يمر منه ما يقارب 20% من النفط المستهلك عالميًا وقرابة 25% من تجارة الغاز الطبيعي المسال يمثل شريانًا استراتيجيًا يصعب تعويضه في المدى القريب. هذه الوضعية تفرض على الدول المستوردة للنفط، ومنها المغرب، الاستعداد لموجة ارتدادية اقتصادية قد تكون قاسية بالنظر إلى هشاشة التوازنات المالية الوطنية واعتماد المملكة شبه الكلي على الخارج لتلبية حاجياتها الطاقية.
التقديرات الدولية تتحدث عن ارتفاع متوقع في أسعار النفط يتجاوز 40% في حال تم الإغلاق الفعلي للمضيق، وهو ما يعني قفزة محتملة نحو 100 دولار للبرميل أو أكثر. بالنظر إلى الأرقام المسجلة خلال السنوات الثلاث الأخيرة، بلغت فاتورة الطاقة في المغرب ما يقارب 122 مليار درهم في 2023 بعدما سجلت رقمًا قياسيًا تجاوز 153 مليار درهم في 2022 نتيجة الارتفاع الجنوني الذي شهده السوق العالمي عقب الأزمات المتتالية. وتشير المعطيات إلى أن المغرب يستورد سنويًا كميات ضخمة من الديزل والبنزين وزيوت الوقود، حيث يمثل الديزل وحده أكثر من 58 مليار درهم من الواردات، ما يعني أن أي زيادة في الأسعار العالمية ستترجم تلقائيًا إلى ارتفاع إضافي قد يتجاوز 25 إلى 30 مليار درهم على مستوى الفاتورة السنوية للطاقة.
التجربة أثبتت خلال السنوات الأخيرة أن ارتفاع أسعار الطاقة ينعكس بشكل مباشر على جيوب المواطنين. ففي سنة 2022، عندما قفزت أسعار النفط عقب الحرب الروسية الأوكرانية، ارتفعت نسبة التضخم بالمغرب إلى 6.7% لتتجاوز عتبة 10% في بداية 2023، مع تسجيل زيادات قياسية في أسعار المحروقات والمواد الغذائية والنقل والخدمات. مع تهديدات إغلاق هرمز، تشير التقديرات إلى أن التضخم قد يتلقى دفعة إضافية تتراوح بين 2 و3 نقاط مئوية، مما قد يعيد المملكة إلى دوامة ارتفاع الأسعار، ويثقل كاهل الأسر المغربية التي عانت أساسًا من التراجع المستمر في قدرتها الشرائية خلال السنوات الأخيرة.
القطاعات الأكثر عرضة للخطر هي النقل والصناعة والطاقة، إذ يمثل قطاع النقل المستهلك الرئيسي للمحروقات في المغرب بنسبة تفوق 44% من إجمالي المشتريات، يليه القطاع الصناعي الذي يعتمد بشكل كبير على الطاقة في عمليات الإنتاج والتصنيع. هذا الارتفاع سيؤدي إلى زيادات متتالية في تكاليف النقل العمومي ونقل البضائع وسلسلة التوزيع، الأمر الذي سينعكس على أسعار السلع والخدمات في السوق المحلية. من جانب آخر، تترقب شركات الشحن زيادات حادة في تكاليف التأمين والشحن البحري، حيث ارتفعت أقساط التأمين في منطقة الخليج بنحو 60% في ظرف أسابيع قليلة خلال أزمات سابقة، وهو ما يرفع تكلفة استيراد النفط والسلع الأساسية نحو المغرب، خصوصًا مع احتمال اضطرار السفن إلى اتخاذ مسارات أطول وأكثر تكلفة حول رأس الرجاء الصالح بدل المرور عبر مضيق هرمز، مما يزيد من زمن الرحلة وكلفة الوقود والأجور اللوجستيكية.
المغرب، الذي لا يزال يعاني من عجز طاقي هيكلي ويستورد قرابة 90% من حاجياته من الخارج، يدرك اليوم أن الرهان على أمنه الطاقي لا يمكن أن يظل رهينة تقلبات أسواق النفط ولا مرتهنًا لممرات بحرية معرضة للتوترات السياسية والعسكرية. لهذا تتجه المملكة منذ سنوات إلى تسريع استثماراتها في الطاقات المتجددة، حيث تمثل هذه الأخيرة حوالي 18% من إنتاج الكهرباء المحلي مع طموح للوصول إلى نسبة 52% في السنوات المقبلة. مشاريع ضخمة كمجمع نور للطاقة الشمسية ومزارع الرياح باتت تشكل جزءًا من المعادلة الوطنية للتقليل من التبعية الطاقية. علاوة على ذلك، بدأ المغرب تطوير بدائل استراتيجية على مستوى البنية التحتية مثل مشروع محطة الغاز الطبيعي المسال بالناظور، الذي سيمكن المملكة من تنويع شركائها وتقليص الاعتماد على أنابيب الغاز العابرة للحدود، مع التوجه نحو توقيع اتفاقيات طويلة الأمد مع مزودين متعددي الجنسيات لتأمين الإمدادات في فترات الأزمات.
ورغم هذه الجهود، يبقى المغرب مكشوفًا أمام تقلبات السوق الدولية في حال إغلاق مضيق هرمز، إذ لا يمتلك بعد شبكة تخزين كافية تسمح له بمواجهة صدمة طويلة الأمد. وإذا ما أضفنا إلى ذلك محدودية هوامش التدخل الحكومية بعد تحرير أسعار المحروقات، فإن المستهلك المغربي سيجد نفسه في الواجهة دون درع وقائية فعالة أمام موجة ارتفاع مرتقبة في أسعار الوقود، النقل، والسلع الأساسية. في ظل هذه المعطيات، يبقى السيناريو الأسوأ هو أن تتحول أزمة مضيق هرمز إلى أزمة معيشية داخلية تعيد إلى الواجهة النقاشات الاجتماعية حول الدعم، والتعويضات، والتوازنات المالية التي لم تعد تتحمل صدمات متتالية بهذا الحجم.