مراكش: تفكيك شبكة إجرامية معقدة تختص بالنصب والتزوير وسرقة السيارات

 

في عملية أمنية هامة، تمكنت الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، صباح اليوم الجمعة 10 يناير 2025، من إحالة شخص يبلغ من العمر 41 سنة إلى النيابة العامة المختصة بمدينة مراكش، للاشتباه في تورطه في شبكة إجرامية معقدة تنشط في مجالات النصب والاحتيال، التزوير، سرقة السيارات، وتزوير معطياتها التقنية. هذه العملية، التي جاءت بعد سلسلة من التحقيقات الميدانية، تكشف عن أساليب متطورة تعكس مستوى متقدمًا في تنظيم الأنشطة الإجرامية داخل المملكة.

كلّف توقيف المشتبه فيه الأول في شهر نونبر 2024، مصالح الشرطة القضائية في الرباط بفتح تحقيق معمق في نشاط هذه الشبكة، التي كانت تستخدم أساليب غير تقليدية لتمويل عملياتها الإجرامية. هذا الشخص، الذي كان من ذوي السوابق القضائية، جرى توقيفه في إطار عملية متابعة قضائية دقيقة، قبل أن يخضع لتحقيقات موسعة تحت إشراف النيابة العامة.

وخلال التحقيق، تبين أن المشتبه فيه الأول كان يشرف على تنسيق عمليات النصب مع مجموعة من الأشخاص الذين كانوا يشغلون أدوارًا محددة في الشبكة. حيث كان دور هذا المشتبه فيه يرتكز على تسهيل الحصول على قروض مالية من المؤسسات المالية لشراء سيارات جديدة باستخدام شركات وهمية، قام هو والشركاء بتأسيسها من أجل تسهيل عمليات الاحتيال.

تعتمد الشبكة على أسلوب معقد يقوم على إنشاء شركات صورية، وهي شركات وهمية يتم تزوير الوثائق المتعلقة بها بشكل دقيق ومؤسس. وكان الهدف من هذه الشركات هو الحصول على قروض مالية من المؤسسات البنكية لشراء سيارات جديدة. لكن العمليات الإجرامية لا تتوقف عند هذا الحد، حيث كانت الشبكة تقوم بالتلاعب في المعطيات التقنية للسيارات بعد شرائها، ليتم استصدار شهادات تسجيل مزورة تسمح بتصريف هذه السيارات على أنها مستعملة.

بهذا الأسلوب، كانت الشبكة تقوم بتصريف السيارات التي تم التلاعب بها كسيارات مستعملة، بأسعار منخفضة، مما يسهل بيعها بسهولة في الأسواق المحلية والخارجية. وتعكس هذه الطريقة درجة الاحترافية في تنفيذ عمليات النصب، حيث كانت الشبكة تستفيد من الثغرات القانونية لتوسيع نطاق نشاطاتها الإجرامية.

عملية التفتيش وتوقيف المشتبه فيه الثاني

مع توسيع دائرة التحقيقات، تمكنت الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، يوم أمس الخميس 9 يناير 2025، من توقيف المشتبه فيه الثاني، الذي كان يشغل دورًا مهمًا في الشبكة. هذا الشخص كان مسؤولًا عن تصريف السيارات المزورة، وكان يعمل على بيعها لتجار سيارات أو لأفراد مستهلكين على أنها مستعملة.

أدت عملية التفتيش التي جرت في إطار توقيفه إلى اكتشاف 14 سيارة، من بينها سيارة مسروقة مسجلة في إسبانيا. وكان هذا الاكتشاف بمثابة مفاجأة أخرى تكشف عن التورط المحتمل لشبكة من الأطراف الدولية. وهذا يشير إلى أن نشاط الشبكة قد تجاوز الحدود المغربية ليطال دولًا أخرى، ما يفتح بابًا لتعاون دولي بين المغرب ودول أخرى مثل إسبانيا لمكافحة هذه الظاهرة.

عقب توقيف المشتبه فيه الثاني، تمت عمليات تفتيش دقيقة أسفرت عن حجز عدد من السيارات التي كانت قد تم التلاعب في معطياتها التقنية. ومن بين السيارات المضبوطة، تبين أن إحداها كانت مسروقة من إسبانيا، ما يعكس أن هذه الشبكة كانت تمتد على مستوى دولي. كما تم ضبط عدد من الوثائق المزورة التي كانت تستخدم لتسهيل عمليات بيع هذه السيارات على أنها سيارات مستعملة، رغم أنها كانت جديدة أو مسروقة.

وقد أثار هذا الاكتشاف تساؤلات حول طريقة عمل الشبكة على الصعيدين الوطني والدولي. وكشفت التحقيقات أن عمليات التلاعب في معطيات السيارات لم تكن مقتصرة على السيارات المسروقة فقط، بل شملت أيضًا سيارات تم شراؤها بشكل قانوني ثم تم التلاعب في سجلاتها التقنية لتغيير حالتها القانونية.

لا تزال التحقيقات مستمرة تحت إشراف النيابة العامة المختصة، إذ يواصل المحققون تحليل الأدلة التي تم جمعها أثناء عمليات التفتيش. أحد الأهداف الأساسية للبحث هو تحديد حجم الشبكة، واكتشاف باقي أعضائها، بما في ذلك الأشخاص الذين قاموا بتزوير الوثائق أو الذين ساهموا في عمليات بيع السيارات المزورة. من المتوقع أن تفضي التحقيقات إلى فتح ملف جديد يتعلق بالبيع الدولي للسيارات المسروقة، لا سيما مع وجود سيارة مسروقة في إسبانيا.

تعد هذه القضية من بين العمليات الأمنية الهامة التي تكشف عن حجم التحديات التي تواجه أجهزة الأمن في مكافحة الجريمة المنظمة، خصوصًا تلك التي تمس القطاع المالي والاقتصادي. فعلى الرغم من أن هذه الشبكة كانت تستهدف مؤسسات مالية، إلا أن ضررها لم يقتصر على هذه المؤسسات فحسب، بل طال أيضًا الأسواق التجارية التي شهدت عمليات بيع للسيارات غير القانونية.

وتطرح هذه القضية العديد من الأسئلة حول مدى فعالية النظام الرقابي في المؤسسات المالية، ومدى قدرة هذه الأنظمة على اكتشاف مثل هذه العمليات التي تتم تحت غطاء قانوني. كما أن هذا النوع من التحقيقات يعكس الحاجة إلى تعزيز التعاون الدولي بين الأجهزة الأمنية في مختلف الدول، خاصة في القضايا المتعلقة بسرقة السيارات وتهريبها عبر الحدود.

 

إن العملية الأمنية التي أسفرت عن تفكيك هذه الشبكة الإجرامية تبرز دور الأجهزة الأمنية المغربية في التصدي للأنشطة الإجرامية التي تمس الاقتصاد الوطني والمواطنين. وفي ظل تطور أساليب الإجرام وتعقدها، يبقى التنسيق بين مختلف الهيئات القضائية والأمنية على المستوى المحلي والدولي أمرًا حيويًا. ومن المؤكد أن القضية ستفتح الباب لتطوير أطر قانونية وتقنية أكثر كفاءة لمواجهة تحديات الجريمة المنظمة في المستقبل.