صحفي فرنسي يقارن مجازر الاستعمار الفرنسي في الجزائر بالجرائم النازية في فرنسا

Heure du journal

تصريحات جان ميشيل أباثي حول الاستعمار الفرنسي في الجزائر، والتي أدت إلى وضعه “في حالة تراجع” من قبل إذاعة RTL، أعادت إحياء الجدل حول التاريخ الاستعماري لفرنسا والطريقة التي يتم بها التعامل مع هذه القضايا في الخطاب الإعلامي والسياسي الفرنسي. في 25 فبراير 2025، خلال نقاش حول العلاقات الفرنسية الجزائرية، صرح أباثي بأن فرنسا ارتكبت “مئات” المجازر التي تشبه مجزرة أورادور-سور-غلان خلال استعمارها للجزائر. هذه التصريحات أثارت استياء الأوساط اليمينية واليمينية المتطرفة، مما دفع إدارة الإذاعة إلى إبعاده مؤقتًا عن الهواء في حلقة 5 مارس من برنامج RTL Matin.

 

أباثي، المعروف بصراحته الإعلامية، قارن بين الجرائم التي ارتكبتها النازية في فرنسا خلال الحرب العالمية الثانية والفظائع التي ارتكبتها القوات الفرنسية خلال استعمار الجزائر. عندما واجهه المذيع توماس سوتو قائلاً: “لكننا لم نفعل أورادور-سور-غلان في الجزائر”، رد أباثي قائلاً: “كم عدد القرى التي أُبيدت؟ كم عدد النساء والأطفال الذين قُتلوا؟ النازيون لم يكونوا موجودين في ذلك الوقت. لم نتصرف كنازيين، بل النازيون تصرفوا مثلنا، كما فعلنا في الجزائر.”

 

هذا الطرح أثار ردود فعل غاضبة، خاصة من فلورنس بورتيللي، التي اعتبرت هذه المقارنة “إهانة للشعب الفرنسي”. غير أن أباثي دافع عن موقفه بالإشارة إلى الممارسات الاستعمارية الفرنسية، مثل حرق القرى وقتل المدنيين عن طريق خنقهم بالدخان داخل الكهوف، وهي ممارسات موثقة في العديد من المصادر التاريخية.

 

سرعان ما تحولت تصريحات أباثي إلى قضية رأي عام، حيث شجبها سياسيون يمينيون على غرار إيريك سيوتي، الذي طالب الهيئة المنظمة للإعلام السمعي البصري (Arcom) بالتحرك ضد أباثي، معتبرًا أنه “أهان فرنسا”. الهيئة بدورها أعلنت عن فتح تحقيق في التصريحات. في المقابل، دافع عنه عدد من المؤرخين، مؤكدين أن تصريحاته تستند إلى حقائق تاريخية مثبتة.

 

على الرغم من الضغوط، رفض أباثي الاعتذار أو التراجع عن تصريحاته. وهذا ما دفع إدارة RTL إلى اتخاذ قرار بإبعاده مؤقتًا، مع التأكيد في بيان رسمي أن “المقارنة التي أجراها أباثي غير ملائمة وأثارت صدمة لدى العديد من المستمعين”.

 

على الرغم من الضجة التي أثيرت حول هذه التصريحات، فإن العديد من المؤرخين أيدوا جوهر كلام أباثي، حتى لو اعتبر بعضهم أن المقارنة المباشرة مع النازية قد تكون غير دقيقة. المؤرخ آلان روسيو، مؤلف كتاب “الحرب الأولى في الجزائر”، أكد أن “جميع المؤرخين الذين درسوا الموضوع يعرفون أن الجيش الفرنسي ارتكب مجازر واسعة النطاق في الجزائر”، مشيرًا إلى أن الاستعمار الفرنسي تميز بعنف ممنهج ضد السكان المحليين.

 

من جانبها، أوضحت المؤرخة سيلفي تينو أن “الجيش الفرنسي لم يكن يحارب فقط مقاتلي جبهة التحرير الوطني، بل كان يستهدف أيضًا السكان المدنيين عبر استراتيجيات الإرهاب الجماعي”، بما في ذلك عمليات الإعدام الجماعية والتعذيب والاغتصاب.

 

أما المؤرخ بنيامين ستورا، وهو أحد أبرز الباحثين في تاريخ الجزائر الاستعماري، فقد أشار إلى أن “الجيش الفرنسي استخدم تكتيكات تشبه تلك التي استخدمت في حملات الإبادة الاستعمارية الألمانية في ناميبيا خلال القرن التاسع عشر”.

 

في مقابلة مع موقع “آراي سور إيماج”، قال أباثي إنه لم يُفاجأ بالقرار، لكنه لم يشعر بالاستياء أيضًا، واعتبر أن RTL تعاملت مع القضية بـ”قدر من الذكاء”. وأكد أنه لا يشعر بأنه تعرض للرقابة أو القمع، مضيفًا أن “الإذاعة لم تقل إنني مخطئ، بل أكدت أن لي الحق في التعبير عن رأيي”.

 

تثير هذه القضية إشكالية أوسع تتعلق بكيفية تعامل فرنسا مع ماضيها الاستعماري، حيث لا تزال القضايا المرتبطة بالاستعمار والجرائم التي ارتكبت خلاله موضع توتر سياسي وإعلامي. هناك رفض ضمني من قبل بعض الأوساط السياسية والإعلامية الفرنسية لمناقشة هذه الحقبة بموضوعية، مما يجعل أي حديث عن الجرائم الاستعمارية محفوفًا بالمخاطر.

 

ما حدث مع أباثي ليس استثناءً، فقد شهدت فرنسا في السنوات الأخيرة جدلًا مشابهًا مع تصريحات الرئيس إيمانويل ماكرون، الذي وصف الاستعمار الفرنسي بأنه “جريمة ضد الإنسانية” خلال حملته الانتخابية عام 2017، مما أثار غضب التيارات اليمينية.

 

في ظل هذه التطورات، يمكن التساؤل عما إذا كانت هذه القضية ستؤدي إلى نقاش أوسع حول الاستعمار الفرنسي أم أنها ستظل مجرد عاصفة إعلامية مؤقتة. أباثي نفسه يرى أن الجدل الذي أثير “حقق تقدمًا في النقاش العام، حيث دفع العديد من المؤرخين إلى التحدث علنًا عن الفظائع التي ارتكبتها فرنسا في الجزائر”.

 

لكن السؤال الأهم يظل: هل ستؤدي هذه النقاشات إلى تغيير فعلي في طريقة تعامل فرنسا مع ماضيها الاستعماري، أم أن القوى المحافظة ستواصل عرقلة أي محاولة لفتح هذا الملف الحساس؟