اعلان
اعلان
مقالات رأي

المادة 3 من المسطرة الجنائية: انقلاب ناعم على الدستور وتقنين لحصانة الفساد

Heure du journal - خالد وجنا

في زمن يُفترض أن المغرب يُراكم فيه مكتسبات على مستوى الحقوق والشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة، يأتي مشروع تعديل قانون المسطرة الجنائية ليطرح علامة استفهام كبرى. المادة 3 من هذا المشروع تقترح تقييد الحق في تحريك الدعوى العمومية في قضايا الفساد المالي، وجعل ذلك حكرًا على مؤسسات رسمية بعينها مثل المجلس الأعلى للحسابات والمفتشيات العامة وهيئة النزاهة، مع استبعاد المواطنين والجمعيات من هذا الحق الأساسي. هذا التوجه، الذي يُسوّق باعتباره محاولة لمحاربة الشكايات الكيدية، يُخفي في طياته ما هو أخطر: تجريد المجتمع من سلاحه في مواجهة الفساد، وتحويل الحق في التبليغ إلى امتياز إداري.

الخطير في هذا التعديل أنه يتعارض بوضوح مع روح ومقتضيات دستور 2011، الذي ينص في فصله الأول على الديمقراطية المواطنة والتشاركية، ويؤكد على دور المجتمع المدني في بلورة ومتابعة السياسات العمومية. كما أن الفصل 12 يمنح الجمعيات الحق في المساهمة في إعداد وتتبع قرارات ومشاريع المؤسسات والسلطات. حين يُمنع على جمعية أو مواطن تقديم شكاية ضد تبديد المال العام إلا بإذن من مؤسسة رسمية، فنحن هنا لا نحمي المال العام، بل نُقيد قدرة المجتمع على مراقبته، ونُحاصر صوت المبلغين، ونفتح المجال لحماية المتورطين باسم التنظيم الإداري.

اعلان

التعديل المقترح يتعارض أيضًا مع التزامات المغرب الدولية، خصوصًا اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، التي تنص في مادتها 13 على ضرورة إشراك المجتمع المدني وتسهيل الإبلاغ عن الفساد، وضمان الحماية للمبلغين. عوض تيسير هذا الإبلاغ، يقيم مشروع المادة 3 جدارًا بيروقراطيًا أمام المواطن، يجعله عاجزًا عن التوجه مباشرة للقضاء، وكأن صوت المجتمع لم يعد مرحبًا به في معركة الشفافية.

تبرير هذا التوجه بالرغبة في التصدي للشكايات الكيدية يبدو واهنًا، لأن الفيصل في تحديد مدى جدية أي شكاية يجب أن يبقى بيد القضاء، لا بيد مؤسسات إدارية قد تكون طرفًا في الفساد أو غير محايدة. الفساد لا يُحارب بتضييق المداخل القانونية، بل بتوسيعها وتشجيع المواطنين على التبليغ، مع ضمان الضمانات القانونية ضد التعسف.

المجتمع المدني المغربي لم يكن يومًا عائقًا أمام الإصلاح، بل كان دائمًا في صلب دينامية كشف الفساد والدفاع عن المصلحة العامة. محاولة إقصائه من هذا الدور تُعد ارتدادًا خطيرًا عن مسار طويل من التراكمات الإيجابية، كما تُرسل إشارة سلبية لكل من يؤمن بأن الشفافية مسؤولية جماعية.

إن المادة 3 بصيغتها الحالية لا تخدم العدالة ولا تحصن المال العام، بل تكرّس منطق الحصانة الإدارية، وتُفرغ شعار “ربط المسؤولية بالمحاسبة” من مضمونه. مواجهة الفساد لا تتم خلف الجدران، بل في النور، بمشاركة الجميع، وفي مقدمتهم المواطن الواعي والفاعل المدني المسؤول.

لهذا نرفض هذا التعديل، لا من باب المزايدة، بل دفاعًا عن الدستور، عن العدالة، وعن حقنا كمواطنين في أن نبلغ عن الفساد ونقف ضده، دون خوف، ودون إذن مسبق من أي جهة.

اعلان
زر الذهاب إلى الأعلى