القضاء المغربي يدين التيكتوكر “مهرة سلا” بخمس سنوات سجناً في قضية مس بالأخلاق العامة
Heure du journal
في تطور قضائي جديد، أصدرت المحكمة الابتدائية بسلا، قسم جنحي تلبسي، يوم الجمعة الماضي، حكماً حازماً بحق التيكتوكر الشهيرة بلقب “مهرة سلا”، وذلك بعد متابعتها في قضية أثارت الكثير من الجدل والانتقادات في الأوساط الاجتماعية والإعلامية. الحكم الذي قضى بالسجن لمدة خمس سنوات نافذة، بالإضافة إلى غرامة مالية قدرها 100 ألف درهم، يأتي بعد سلسلة من التحقيقات والمراجعات القضائية، حيث وُجهت إليها اتهامات ثقيلة تشمل الإغراء الجنسي الفاضح، واستغلال منصات التواصل الاجتماعي لنشر محتويات مخلة بالآداب العامة.
قضية “مهرة سلا” ليست مجرد حادثة عابرة، بل هي بمثابة مرآة تعكس التحولات التي طرأت على المشهد الرقمي في المغرب، والآثار السلبية التي قد تنجم عن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكل غير مسؤول. في تفاصيل القضية، نجد أن “مهرة سلا” وشركاءها تم اتهامهم بعدد من الجرائم التي تمس القيم الأخلاقية والآداب العامة، حيث شملت التهم الإخلال بالحياء العام، الدعارة، الفساد، الخيانة الزوجية، التبليغ عن جريمة وهمية، استدراج الأشخاص للبغاء، وتصوير ونشر محتويات مخلة بالآداب العامة. هذه التهم، التي وردت في مواد متعددة من القانون الجنائي المغربي، لم تقتصر على الأفعال الفردية، بل شملت أيضاً استغلال منصات التواصل الاجتماعي كأداة لبث محتوى يؤثر سلباً على الجمهور الناشئ ويشجّع على الانحراف الأخلاقي.
تمت متابعة المتهمة “مهرة سلا” وشريكتها (ن.ش)، بالإضافة إلى شقيقتها، بناءً على أوامر النيابة العامة التي أمرت بإيقافهن وإجراء التحقيقات اللازمة. خلال هذه التحقيقات، تم تفريغ الهواتف المحمولة والمعدات الإلكترونية المحجوزة، حيث تم العثور على آثار جريمة واضحة على هذه الأجهزة، بما في ذلك صور وفيديوهات توثق لمحتويات مخلة بالآداب العامة. وتُظهر هذه التحقيقات كيف أصبحت هذه الأجهزة مصدرًا رئيسيًا في ارتكاب الجرائم الرقمية.
وفي الوقت الذي حكمت فيه المحكمة بالسجن لمدة سنة واحدة على (ن.ش) شريكة “مهرة سلا”، بالإضافة إلى فرض غرامة مالية قدرها 10 آلاف درهم، أصدرت حكما آخر بالسجن لمدة ستة أشهر موقوفة التنفيذ بحق شقيقة “مهرة سلا”، مع غرامة مالية قدرها 5 آلاف درهم. كما تم تحميل المتهمات جميعهن تكاليف المحكمة، بما في ذلك تصفية مبلغ الكفالة.
تعد هذه القضية جزءاً من سلسلة من القضايا التي سلطت الضوء على استفحال ظاهرة التفاهة والإباحية على وسائل التواصل الاجتماعي في المغرب، حيث تسعى السلطات القضائية إلى مواجهة هذا التوجه بكل حزم. ويبدو أن القضاء المغربي في هذا السياق، يريد إرسال رسالة قوية مفادها أن المنظومة القانونية في المغرب قادرة على حماية القيم الأخلاقية والاجتماعية، وعدم التساهل مع أي تصرف قد يهدد هذه القيم. ورغم أن هذه الأحكام القضائية قد تكون قاسية بالنسبة للبعض، إلا أن مؤيدين لهذه القرارات يرون فيها خطوة ضرورية لحماية المجتمع من التأثيرات السلبية للتكنولوجيا ووسائل التواصل.
في المقابل، أثيرت بعض الانتقادات حول كيفية معالجة هذه الظاهرة على المستوى المجتمعي. فقد رأى البعض أن معالجة الظواهر السلبية التي تهدد القيم الأخلاقية لا تكمن فقط في إصدار الأحكام القضائية، بل في تطوير برامج توعية وتعليمية تستهدف المستخدمين في العالم الرقمي، خصوصاً الشباب والمراهقين الذين يعتبرون الأكثر عرضة للتأثر بمحتوى وسائل التواصل الاجتماعي. إن مجرد العقوبات القانونية لا يمكن أن يكون الحل الشامل، إذ يجب أن يتزامن ذلك مع تغيير ثقافي وتربوي يعزز من مفهوم المسؤولية الرقمية لدى الأفراد.
أما عن تأثير هذه القضية على الرأي العام المغربي، فقد كانت بمثابة مناقشة واسعة للحدود التي يمكن أن تتخطاها حرية التعبير على منصات التواصل الاجتماعي، وكيف يمكن التوازن بين هذه الحرية والحفاظ على القيم الاجتماعية. ويبدو أن هذه القضية قد سلطت الضوء على المخاطر المتزايدة التي قد يسببها الإفراط في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي دون ضوابط أو حدود، خصوصاً عندما يتم استغلالها بشكل يضر بالنظام العام أو يهدد الأخلاق العامة.
ومن الجدير بالذكر أن هذه القضية تأتي في وقت حساس بالنسبة للمغرب، حيث تشهد البلاد تطوراً كبيراً في مجال التكنولوجيا الرقمية. ورغم ذلك، لا تزال هناك تحديات كبيرة في ضبط هذا المجال وتنظيمه بما يتماشى مع القيم والمبادئ التي تحترمها المجتمع المغربي. في هذا الإطار، سيكون من الضروري وضع سياسات تنظيمية وتشريعية أكثر صرامة، لضمان أن تظل وسائل التواصل الاجتماعي ساحة للحوار البناء والمفيد، بعيداً عن الانحرافات السلوكية التي قد تضر بالنسيج الاجتماعي.