مجتمع

الخطبة الموحدة: توحيد الخطاب الديني بين قبول الأئمة ورفض بعض المواطنين

في خطوة تهدف إلى توحيد الخطاب الديني في مساجد المملكة المغربية، جاء مشروع “الخطبة الموحدة” في إطار استراتيجية وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لتوجيه الخطباء نحو خطاب ديني مشترك، يكون منسجماً مع التوجهات الرسمية. وقد شهد هذا المشروع تفاعلاً متفاوتاً بين الأئمة والمواطنين على حد سواء، حيث تباينت الآراء حول مدى نجاحه وتوافقه مع الواقع الاجتماعي والديني للمجتمع المغربي.

في تصريحات لوزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، أحمد التوفيق، خلال كلمته في المجلس العلمي الأعلى، أشار إلى أن 95% من الخطباء في مساجد المملكة قد قبلوا بتطبيق الخطبة الموحدة، وهو ما يبرز تقبلاً واسعاً للمشروع بين الأئمة. وأوضح الوزير أن الالتزام بالخطبة الموحدة يأتي طواعية ودون أي ضغوط، مؤكداً أن الفئة التي ترفض الالتزام بهذا التوجه تمثل أقلية لا تتجاوز 5% من إجمالي الخطباء في المغرب. ورغم هذا التفاؤل الذي أبداه الوزير، إلا أن هناك تبايناً في التفاعل مع هذه الخطبة الموحدة من قبل بعض فئات المجتمع، وخاصة من المصلين الذين يعتبرون أن الخطبة الموحدة لا تعكس اهتماماتهم وهمومهم اليومية.

الخطبة الموحدة هي جزء من استراتيجية أكبر تحت مسمى “تسديد التبليغ”، التي تهدف إلى تحسين تأثير الخطاب الديني في حياة الأفراد. وتستند هذه الخطبة إلى مضمون موحد، يتم توزيعه على الأئمة، بحيث يلتزم الجميع بنفس المحتوى، الذي عادة ما يرتبط بالقيم الأخلاقية مثل الأمانة والصدق، فضلاً عن التأكيد على المسؤولية الاجتماعية والدينية للمؤمنين. وفي حين يعتقد البعض أن هذه الخطبة تمثل فرصة لتوحيد الخطاب الديني وتوجيه الناس نحو قيم مشتركة، يراها آخرون أنها تفتقر إلى التفاعل مع الواقع المحلي والمشاكل اليومية للمواطنين.

يُلاحظ أن الاعتراضات على الخطبة الموحدة تنبع أساساً من رغبة بعض الأئمة في الحفاظ على استقلالية خطابهم الديني وعدم الخضوع لتوجيهات مركزية قد تشعرهم بأنهم مجبرون على قراءة نصوص موحدة تفتقر إلى التجديد أو التفصيل في القضايا التي تهم كل منطقة على حدة. فالنقد الموجه من هؤلاء الخطباء يتراوح بين الاعتراض على قلة مرونة الخطبة الموحدة وعدم قدرتها على التفاعل مع متغيرات الواقع الاجتماعي، وبين الإحساس بأن الخطبة أصبحت مجرد “مراسيم إدارية” تفتقر إلى العمق الفكري.

من جهة أخرى، يرى البعض أن هذه الخطوة قد أسهمت في تحقيق نوع من الاستقرار في الخطاب الديني، حيث يساعد توحيد الخطبة في القضاء على الفوضى الفكرية التي قد تنشأ عن تعدد الآراء وتباينها. ويربط مؤيدو الخطبة الموحدة نجاح هذه المبادرة بتوظيفها في خدمة أهداف أكبر، مثل تعزيز السلم الاجتماعي، وتحقيق توازن بين التدين والفكر العقلاني الذي يخدم مصلحة المجتمع. فقد اعتبر الباحث في الشأن الديني، خالد التوزاني، أن الخطبة الموحدة جاءت استجابةً لمجموعة من التحديات التي أفرزها التنوع الديني والثقافي في المجتمع المغربي، مشيراً إلى أن تفعيل هذا المشروع يعتمد بشكل أساسي على تحسين الكفاءة المعرفية والخطابية للخطباء.

وتبرز العديد من الانتقادات من قبل المواطنين الذين يرون أن الخطبة الموحدة تبتعد عن واقعهم اليومي ولا تركز على معالجة القضايا الملحة التي يواجهونها، مثل المشاكل الاقتصادية، الاجتماعية، والبيئية. وتزايدت هذه الانتقادات خاصة في الأوساط الشعبية التي تشعر بأن الخطب أصبحت تقليدية وغير متجددة، وأن المواضيع المطروحة لا تحاكي تحديات الحياة العصرية. في هذا السياق، يعتبر البعض أن الخطباء أصبحوا مجرد أدوات لنقل رسائل إدارية تفتقر إلى المصداقية والإقناع.

وبين مؤيد ومعارض، تظل الخطبة الموحدة موضوعًا مثيرًا للجدل في المجتمع المغربي. ففي حين أن نسبة 95% من الخطباء الذين يلتزمون بها قد تعكس رغبة في توحيد الرؤية الدينية، إلا أن ذلك لا يضمن بالضرورة نجاح المشروع أو قبوله من جميع الأطراف. فالحديث عن توحيد الخطاب الديني يثير تساؤلات حول دور الأئمة في المجتمع، ومدى قدرتهم على التأثير في جمهورهم إذا ما تم تقييدهم بنصوص مكتوبة مسبقًا. وعلى الرغم من أن الخطبة الموحدة تهدف إلى تحقيق التوازن والانسجام في الخطاب الديني، إلا أنها قد تواجه تحديات متعلقة بالقبول الشعبي والتنفيذ الفعلي على الأرض.

إن إضفاء الطابع الرسمي على الخطبة الموحدة يثير تساؤلات حول العلاقة بين الدين والدولة في المغرب، ومدى تأثير التدخلات الحكومية في الشؤون الدينية على حرية التعبير الديني. بينما يسعى البعض إلى تعزيز التنسيق بين المؤسسات الدينية الرسمية، يبقى البعض الآخر منفتحًا على إمكانية إيجاد حلول تضمن مرونة أكبر في الخطاب الديني، بما يتناسب مع خصوصيات كل منطقة وظروفها. هذه القضية تطرح أسئلة هامة حول مستقبل الدين في الحياة اليومية للمغاربة، وأي نوع من التدين نرغب في بنائه في ظل التحديات الاجتماعية والسياسية الراهنة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى