
ما تزال الأوضاع داخل المركز الاستشفائي الجامعي ابن سينا بالرباط تثير الكثير من الجدل في الأوساط الصحية، بعد توالي الاتهامات الموجهة إلى إدارة المؤسسة بشأن ما يوصف بتبديد المال العام وسوء التدبير، في ظل تصاعد الدعوات المطالبة بفتح تحقيق رسمي من قبل وزارة الصحة والحماية الاجتماعية والمجلس الأعلى للحسابات من أجل الوقوف على ما اعتبرته أطراف نقابية اختلالات بنيوية وتجاوزات متراكمة على مستوى التسيير المالي والإداري.
مصادر مهنية من داخل المركز الاستشفائي أفادت بأن عدداً من الصفقات العمومية الأخيرة أثارت موجة من علامات الاستفهام حول ظروف إنجازها وكلفتها المالية، من بينها بناية مصلحة المساعدة الطبية المستعجلة (SAMU) التي تقرر إفراغها بعد ظهور تشققات خطيرة في هيكلها رغم حداثة إنشائها. كما أثار مشروع ترميم مدخل مستعجلات مستشفى التخصصات حفيظة عدد من العاملين بعد أن تجاوزت كلفته ثلاثة مليارات سنتيم، في مقابل أشغال وصفوها بالسطحية وغير المطابقة للمعايير البيئية المعتمدة.
الانتقادات الموجهة للإدارة امتدت إلى طريقة تدبير الصفقات، حيث اتُهمت بالاعتماد المفرط على طلبات السند عوض المرور عبر المساطر القانونية لطلبات العروض، وهو ما فتح، حسب تعبير منتقديها، المجال أمام شبهات المحاباة وتفويت الصفقات في ظروف غامضة تفتقر للشفافية. كما عبر العاملون عن استيائهم من ما وصفوه بالبذخ غير المبرر في تجهيز بعض المكاتب الإدارية وترميمها بميزانيات ضخمة، في وقت تعرف فيه المؤسسة تجميد التوظيف تحت ذريعة التقشف.
في هذا السياق، دعا المكتب المحلي للمركز الاستشفائي الجامعي ابن سينا، المنضوي تحت لواء الجامعة الوطنية للصحة التابعة للاتحاد المغربي للشغل، إلى فتح تحقيق شامل في مجموعة من الملفات التي وصفها بالمثيرة للشك، مع التركيز على صفقات “المناولة” التي تحوم حولها العديد من التساؤلات. كما طالبت النقابة بتوضيحات بشأن التعاقد مع مختبر خاص بكلفة مالية اعتبرتها مرتفعة، بالإضافة إلى ظروف منح صفقة غسيل الملابس لشركة تنتمي إلى مدينة بوسكورة، بعد التخلي عن بند القرب الجغرافي الذي كان معمولاً به في دفاتر التحملات السابقة. ولم تستثنِ النقابة صفقة البستنة التي شابتها، وفق تعبيرها، غموض كبير في ما يخص المعايير المعتمدة لاختيار الشركة المفوض لها.
كما عبرت النقابة عن قلقها من الارتباك الذي رافق عمليات ترحيل بعض المصالح الاستشفائية داخل المستشفى، معتبرة إياها خطوات مرتجلة وغير مدروسة ساهمت في إرباك المسارات العلاجية، وتأخير مواعيد الاستشفاء، ورفع درجة مخاطر انتقال العدوى، في غياب تدابير كافية لضمان السلامة والنقل الطبي المؤمّن للمرضى والعاملين. وندد المكتب النقابي بما وصفه بالتمييز الواضح في الاستفادة من برامج التكوين المستمر بالخارج، حيث استفاد منها مسؤولون إداريون بعينهم، في ظل غياب معايير الاستحقاق وتكافؤ الفرص، ما زاد من حدة الاحتقان داخل المؤسسة.
وأكد المكتب المحلي للمركز الاستشفائي أن الوضع بلغ مراحل متقدمة من التدهور على المستويين الإداري والخدماتي، مجددا دعوته إلى إيفاد لجنة تفتيش مكونة من المفتشية العامة لوزارة الصحة والحماية الاجتماعية ووزارة المالية والمجلس الأعلى للحسابات، قصد فتح تحقيق معمق في الملفات المطروحة وتحديد المسؤوليات. كما لوّح المكتب بخوض أشكال احتجاجية تصعيدية سيتم الكشف عن تفاصيلها لاحقا إذا استمرت الجهات الوصية في تجاهل المطالب.