
يشهد المغرب أزمة حادة في قطاع تربية الماشية، حيث كشف وزير الفلاحة، أحمد البواري، عن تراجع القطيع الوطني بنسبة 38% خلال السنوات الثماني الأخيرة. هذا التراجع المقلق جاء نتيجة عوامل عدة، أبرزها شحّ التساقطات المطرية التي أثرت بشكل كبير على المراعي، مما أجبر المربين على اللجوء إلى شراء الأعلاف بأسعار مرتفعة، وهو ما أدى إلى زيادة كلفة الإنتاج وتراجع أعداد الماشية بشكل ملحوظ. هذه الوضعية جعلت العديد من المربين يعجزون عن الاستمرار في نشاطهم، مما أدى إلى انخفاض العرض في السوق وارتفاع أسعار اللحوم الحمراء بشكل غير مسبوق.
في ظل هذه المعطيات، يثار جدل واسع حول مستقبل عيد الأضحى لهذه السنة، حيث بدأت تتعالى بعض الأصوات المطالبة بإلغائه أو على الأقل الحد من عمليات الذبح، وذلك بهدف الحفاظ على ما تبقى من القطيع الوطني ومنحه فرصة للتكاثر، على غرار ما يتم العمل به في القطاعات البحرية من خلال فترة الراحة البيولوجية للأسماك. يرى مؤيدو هذا الطرح أن الوضعية الاقتصادية الصعبة التي تعيشها الأسر المغربية، إضافة إلى الغلاء الفاحش لأسعار الأضاحي، يجعل من الضروري التفكير في حلول استثنائية، ولو كان ذلك عبر تعليق شعيرة الذبح لهذه السنة أو تقنينها.
من ناحية أخرى، هناك من يرفض هذه الفكرة، معتبرين أن عيد الأضحى شعيرة دينية لا يمكن إلغاؤها، خاصة وأنها مرتبطة بجوانب شرعية واجتماعية عميقة. ويرى المعارضون أن حل الأزمة لا يكمن في إلغاء العيد، بل في البحث عن بدائل أخرى، مثل تشجيع الاستيراد من دول الجوار كموريتانيا، أو تقديم دعم مباشر للمربين لمساعدتهم على تجاوز هذه المرحلة الصعبة. كما يشير البعض إلى أن اتخاذ قرار كهذا قد تكون له تبعات اقتصادية واجتماعية خطيرة، خصوصًا بالنسبة للعاملين في قطاع تربية المواشي، الذين يعتمدون على موسم العيد كمصدر رئيسي لدخلهم السنوي.
وسط هذا الجدل، يواجه المواطنون المغاربة أزمة أخرى تتمثل في القدرة الشرائية المتدهورة، حيث باتت الأسر تجد صعوبة في تأمين الحاجيات الأساسية، ناهيك عن تدبير تكاليف الأضحية التي أصبحت تفوق إمكانيات الكثيرين. العديد من التعليقات المتداولة في النقاشات العامة على وسائل التواصل الاجتماعي تعكس حالة الإحباط التي يعيشها المواطن البسيط، إذ يرى البعض أن الأولوية اليوم ليست للأضحية، بل لتوفير لقمة العيش في ظل ارتفاع أسعار المواد الغذائية والضرائب والرسوم المختلفة. في المقابل، هناك من يعتبر أن التنازل عن شعيرة العيد سيكون بمثابة خسارة معنوية تزيد من معاناة الأسر التي ترى في هذه المناسبة فرصة للتواصل الاجتماعي والاحتفال الجماعي، رغم التحديات الاقتصادية.
أما على المستوى الرسمي، فإن الحكومة لم تصدر أي قرار واضح بخصوص هذا الموضوع، حيث أكد وزير الفلاحة أن إلغاء العيد ليس من اختصاص وزارته، مما يعني أن أي قرار في هذا الشأن يجب أن يصدر عن جهات أخرى، مثل المجلس العلمي الأعلى أو المؤسسات الحكومية المعنية. في المقابل، يبقى للحكومة دور مهم في إيجاد حلول لتخفيف الضغط على المربين والمستهلكين، سواء عبر توفير دعم للأعلاف أو اتخاذ إجراءات لضبط الأسعار والحد من المضاربة التي تعرفها الأسواق خلال هذه الفترة.
بغض النظر عن القرار الذي سيتم اتخاذه، فإن الأزمة الحالية تسلط الضوء على مشكل أعمق يتعلق بمدى استعداد المغرب لمواجهة التغيرات المناخية وتأثيراتها على القطاع الفلاحي. فالاعتماد المفرط على الأمطار كمصدر رئيسي للمراعي يجعل القطيع الوطني عرضة لمخاطر متكررة، مما يستدعي التفكير في استراتيجيات أكثر استدامة، مثل تعزيز الزراعات العلفية، وتحسين أنظمة السقي، ودعم البحث العلمي في مجال تربية المواشي.
في النهاية، يبقى عيد الأضحى مناسبة دينية لها أهمية خاصة لدى المغاربة، ولكن الأوضاع الاقتصادية والبيئية الحالية تفرض تحديات غير مسبوقة. ومع اقتراب موعد العيد، سيظل السؤال مطروحًا حول ما إذا كانت الحكومة ستتخذ قرارات استثنائية لمواكبة هذه الأزمة، أم أنها ستكتفي بترك السوق يحدد مصيره بنفسه، مع ما قد يحمله ذلك من تداعيات على المربين والمستهلكين على حد سواء.



